الخميس، 20 ديسمبر 2012





العيد دعوة ربانية للفرح والسعادة والتراحم والوصل بين أواصر المجتمع ، وفيه نداءٌ خفي علي ٌبالبعدٌ عن الفرقة والتشرذم والتباغض والتدابر . إنه نداء عذب رقيق ٌ لرسم البسمة على الوجوه وزرع المحبة في القلوب وخروج من عتمة الوحدة ، وهجير الأحزان إلى نور الأنس وحدائق الإشراق في الإنسان .

إنه يوم زينة في كل شيئ ، ونشرٌ للحب والتسامح والخير ، وكفٌ للأذى وبذل للندى . إنه جمعٌ لإرتقاء المعاني والقيم والزينة والحلاوة والفنون الجميلة . رقي بأخلاق الإنسان ، و جمال ٌفي المكان ، وزينة في اللباس وحلاوة في الطعام والشراب ، وجمال في فنون التعبير عن فرحةٍ كبرى ، وهذا مما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم وباركه كما فعل مع الأحباش في المسجد ، ومع الجاريتين اللتين كانتا تضربان الدف في بيت النبوة وبمباركة النبي صلى الله عليه وسلم .

ففي الحديث الشريف مافعله الحبشة حين اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب ، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم ، ثم قال لعائشة : " ياحميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ قالت نعم . فأقامها صلى الله عليه وسلم وراءه خدها على خده يسترها وهي تنظر إليهم ، والرسول صلى الله عليه وسلم يغريهم ويقول : دونكم يابني أرفدة ، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني بعثت بالحنيفية السمحة " .

ولاريب أن للفرح في المجتمعات آثار حميدة على الفرد والمجتمع ؛ فقد ثبت أن العلاقات الاجتماعية الحسنة ذات أثر كبير على تحسن صحة الإنسان النفسية وابتهاجه ، وهذا بدوره يوثر تأثيراً إيجابياً على الجهاز المناعي ، وتعد المشاعر المضطربة الناتجة عن سلوك كآبة المجتمع والتي يعد الاكتئاب ثمرة من ثمارها من الأمراض النفسية التي تسهم بشكل كبير في أمراض التهاب المفاصل ونوبات الصداع والقرح وأمراض القلب وغيرها .

إن الذين يرون الفرح عبثا في أمةٍ تعاني الجراح نقول لهم : أن الأمة تعاني الأزمات منذ أمد طويل ، وليس هذا بمسوغ لها أن تلغي أفراحها وتبقي على نواحها ، وإذا كنا نتظر أن يفرغ العالم من المآسي والأحزان ، حتى نفرح ، فلن نفرح أبدا . بل سنحول كل أفراحنا إلى أحزان وكل مناسباتنا السعيدة إلى خطب ومآتم والآم ، لذلك علينا أن نشرق بالفرح وندخل البهجة على الكسيرو الفقير والحزين ونحتفل بعيدنا فرحين حامدين لربنا شاكرين ، ونضيء الوجوه بالبسمات و المكان بأزهار الفرح وأريج العطور . فأهلا وسهلا بالعيد وبالفرح والاحتفال والسرور ، وكل عام وأنتم بخير .

نشر في صحيفة المجاردة الإلكترونية

الصديق الحميم






الصديق الحميم حاجة إنسانية لكل إنسان سوي ، ولهذا لم يترك الله سبحانه وتعالى أنبياءه بلا صحبة أو حواريين مع تأييده لهم بالوحي ، فكان لكل منهم صديق وفيٌ حميم ، وإذا كان الأنبياء على رفعة قدرهم لم يهملوا هذا الأمر ولم ينحوه جانبا فكيف بعموم الناس ؟ حيث يبقى في حقهم أهم وآكد . وقد اتفقوا أن الصديق ﺃُﺧﺬ من ﻟﻔﻆ ﺍﻟﺼﺪﻕ، ﻭﻫﻮ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﻜﺬﺏ . وأما الحميم فمن الاحتمام ، وهو الاهتمام ، وهو الذي يهمه ما يهمك . أو من الحامة بمعنى الخاصة ، وهو الصديق الخاص وتبقى صفاته محل خلاف .ﻗﺎﻝ العتابي ﻟﺼﺎﺣﺐ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﺃﺣﻮﺟﻚ إلى ﺃﺥ كريم ﺍﻷﺧﻮﺓ ، ﻛﺎﻣﻞ المروءة ﺇﺫﺍ ﻏﺒﺖ ﺧﻠﻔﻚ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺣﻀﺮﺕ ﻛﻨﻔﻚ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻧﻜﺮﺕ ﻋﺮﻓﻚ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺟﻔﻮﺕ ﻻﻃﻔﻚ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺮﺭﺕ ﻛﺎﻓﺄﻙ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻘﻲ ﺻﺪﻳﻘﻚ . ﺍﺳﺘﺰﺍﺩﻩ ﻟﻚ ، ﻭﺇﻥ ﻟﻘﻲ ﻋﺪﻭﻙ ﻛﻒ ﻋﻨﻚ ﻏﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﺍﺑﺘﻬﺠﺖ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﺛﺜﺘﻪ ﺍﺳﺘﺮﺣﺖ. 

وقال لأعرابي : أريد أن أتخذ صديقا . فقال الأعرابي : اتخذ ﻣﻦ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻌﻴﻨﻚ ، ﻭﻳﺴﻤﻊ ﺑﺄﺫﻧﻚ ، ﻭﻳﺒﻄﺶ ﺑﻴﺪﻙ ، ويمشي ﺑﻘﺪﻣﻚ ، ويحط في ﻫﻮﺍﻙ ، ﻭﻻ ﻳﺮﺍﻩ ﺳﻮﺍﻙ ، اتخذ ﻣﻦ ﺇﻥ ﻧﻄﻖ ﻓﻌﻦ ﻓﻜﺮﻙ ﻳﺴﺘﻤﻠﻲ ، ﻭﺇﻥ ﻫﺠﻊ ﻓﺒﺨﻴﺎﻟﻚ يحلم ، ﻭﺇﻥ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﻓﺒﻚ ﻳﻠﻮﺫ ، ﻭﺇﻥ ﺍﺣﺘﺠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻔﺎﻙ ، ﻭﺇﻥ ﻏﺒﺖ ﻋﻨﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﻙ ، ﻳﺴﺘﺮ ﻓﻘﺮﻩ ﻋﻨﻚ ﻟﺌﻼ تتم ﻟﻪ ، ﻭﻳﺒﺪﻱ ﻳﺴﺎﺭﻩ ﻟﻚ ﻟﺌﻼ تنقبض ﻋﻨﻪ. 

ويروى أن رجلا مرت به ضائقة فهرع إلى صديق له وﻗﺮﻉ بابه في ﻟﻴﻞ ﻓﻘﺎﻝ لجاريته : ﺃﺑﺼﺮﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺭﻉ ؟ ﻓﺄﺗﺖ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻓﻘﺎﻟﺖ : ﻣﻦ ﺫﺍ ؟ ﻗﺎﻝ : ﺃﻧﺎ ﺻﺪﻳﻖ ﻣﻮﻻﻙ ، ﻓﻨﻬﺾ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺑﻴﺪﻩ ﺳﻴﻒ ، ﻭﻛﻴﺲ ، وﻳﺴﻮﻕ ﺟﺎﺭﻳﺔ ، ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻭﻗﺎﻝ : ﻣﺎ ﺷﺄﻧﻚ ؟ ﻗﺎﻝ : راعني أمر ، ﻗﺎﻝ : ﻻبأس عليك ، وساءني ﻣﺎ ﺳﺎﺀﻙ ، وقد أعددت هذا لمثلك ، فخذ هذا المال لنائبتك وهذا السيف ، لعدوك ، وهذه الجارية لخدمتك ولم يسأله عن نائبته . ﻓﻘﺎﻝ : ﺍﻟﺮﺟﻞ : ﷲ ﺑﻼﺩﻙ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﺜﻠﻚ. 

وقد ﻗﻴﻞ لحكيم : ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃن ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ؟ ﻗﺎﻝ : ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ، يحييه ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﺲ ويمتعه بالحياة ﻭﻳﺮﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ نضارتها ، ﻭﻳﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﻌﻴﻤﻬﺎ ولذتها . 

قال ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺳﻼﻡ في كتاب الصداقة والصديق : ﻛﻨﺖ في ﺣﺮﺱ المأمون ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ الليالي ﻧﺎﺋﺒﺎ فخرج المأمون في بعض الليل متفقدا ﻣﻦ ﺣﻀﺮ، ﻓﻌﺮﻓﺘﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ لي : ﻣﻦ ﺃﻧﺖ ؟ ﻓﻘﻠﺖ : ﻋﻤﺮﻭ- ﻋﻤﺮﻙ ﷲ- ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ - ﺃﺳﻌﺪﻙ ﷲ - ﺑﻦ ﺳﻼﻡ- ﺳﻠﻤﻚ ﷲ - ﻓﻘﺎﻝ : ﺃﻧﺖ ﺗﻜﻸﻧﺎ منذ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ. ﻗﻠﺖ ﻳﻜﻸﻙ ﷲ . 

ﻓﻘﺎﻝ المأمون : ﺇﻥ ﺃﺨﺎ ﺍﻟﻬﻴﺠﺎﺀ ﻤﻥ ﻴﺴﻌﻰ ﻤﻌﻙ ﻭﻤﻥ ﻴﻀﺭ ﻨﻔﺴﻪ ﻟﻴﻨﻔﻌﻙ ﻭﻤﻥ ﺇﺫﺍ ﺼﺭﻑ ﺯﻤﺎﻥ ﺼﺩﻋﻙ ﺒﺩﺩ ﺸﻤﻝ ﻨﻔﺴﻪ ﻟﻴﺠﻤﻌﻙ . 

وقد لخص المأمون في هذه الأبيات الصفات التي يرى توافرها في الصديق الحميم ، وهو كنز ثمين ، وجوهر نادر رصين . الحصول عليه صعب ، والعثور عليه أشق من جوهر البيداء ، غير أن صفاته النادرة لا تنفي وجوده . وقد ﻗﻴﻞ لأحد الأعراب : ﺃﺑﺎ ﻟﺼﺪﻳﻖ ﺃﻧﺖ ﺁﻧﺲ ﺃﻡ ﺑﺎﻟﻌﺸﻴﻖ ؟ ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻟﻠﺠﺪ والهزل ، ﻭﻟﻠﻘﻠﻴﻞ والكثير، ﻭﻻ ﻋﺎﺫﻝ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﻻ ﻗﺎﺩﺡ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻫﻮ ﺭﻭﺿﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ، ﻭﻏﺪﻳﺮ ﺍﻟﺮﻭﺡ . ﻓﺄﻣﺎ العشيق فإنما ﻫﻮ للعين ، ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻳﺒﺔ ، ﻭﺍﻟﻌﺬﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﺳﺮﻳﻊ ، وفي ﺍﻟﻮﻟﻮﻉ ﺑﻪ ﺇﻓﺮﺍﻁ ﻣﺰﺟﻮﺭ ﻋﻨﻪ ، ﻭﺣﺪ ﻣﻮﻗﻮﻑ ﺩﻭﻧﻪ ، ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺫﺍﻙ ؟ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻣﻨﺎﺫﺭ : ﻛﻨﺖ ﺃﻣﺸﻲ ﻣﻊ الخليل بن أحمد ( العالم الجليل ) ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ ﺷﺴﻊ ﻧﻌﻠﻲ ﻓﺨﻠﻊ ﻧﻌﻠﻪ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ؟ 

ﻗﺎﻝ : ﺃﻭﺍﺳﻴﻚ بالحفاء . ومما يرد في وفاء الطفولة وحميميتها أن طفلة تأخرت عند جيرانها فقلق والدها وسألها مابالك قد تأخرت كل هذا الوقت عند صديقتك فقالت : حين هممت بالخروج كُسرت لعبة صاحبتي . فقال الوالد : فقمت بمساعدتها على إصلاحها ! قالت : لا . فقال الوالد : فما أخرك إذا ؟ قالت : كنت أواسيها بالبكاء . 

نحن بحاجة إلى إعادة العناية بمفهوم العلاقة بالصديق الحميم ، والعناية بهذه العلاقة الإنسانية النبيلة القائمة على الحميمية والصدق والوفاء تلك العلاقة البعيدة عن دهاء تصيد المصالح الوضيعة والمظاهر المزيفة . لأن في عودة هذا المفهوم ترابط وتآزر المجتمع ، وتماسكه ، وتخفيف حدة الفردانية الطاغية والأنانية المستشرية والغرور المستطير والتدابر المقيت ، ولاشك أن الترابط يؤدي إلى التآخي ووحدة الصف ، وهذا مقصد من مقاصد الشريعة . 

ونختم بقول أحد الحكماء حين وصف الصداقة بقوله : الصداقة أذن صاغية ، وقلب محب متفهم ، ويد حانية مساعدة .

نشر في صحيفة المجاردة الالكترونية

الحاجة للتفهم

  للضغوط النفسية العصبية   الشديدةأثر  بالغ في تهديد صحة الإنسان الجسدية والنفسية  بما فيها ضغط العلاقات الأسرية وضغوط علاقات العمل  المتوتر...