السبت، 7 سبتمبر 2019

الحب الخالد




الحب أساس بناء العلاقات الإنسانية وعليه تأسس المجتمعات  ، و تقوم الأديان وتبنى  الأسر، وهي عماد المجتمع وأس بنائه وصلب قوامه ، ولكي يقوم هذا الزرع ويستوي على سوقه لابد أن يُسقى بغيث الحب والصبر والعطاء والوفاء ، ثم رضا الله من قبل ومن بعد .
بغير الحب تتصدع المجتمعات وتهدم الأسر وتجف أغصان الشجرة وتغدو أوراقها في مهب الريح ،وهكذا البيوت التي تبنى على غير الحب تبنى على جرف هار ٍ، إنها بيوت خالية من الأنس يتردد بين أصدائها عويل الهجر ، ويعلوها صراخ الظلام ، وغبرة البغض ، وقترة سوء الخلق ، ويشتد الحزن حين يتشرد الناس  في أودية الشتات .
الإسلام برئ من تلك الأفكار التي ترى أن الحب جريمة أو نقيصة أو عار يجب وأده - والحديث هنا عن الأسرة – وأن المرأة كائن لا كرامة له ، ولا يعتد برأيه ، ولا حقوق له ، مهما كانت مشروعيتها إرثا أو نكاحا إلى غيرها من الحقوق المسلوبة ، باعتبارها كائن ٌ غير مكرم كما يقال عند بعض الجهلة المتعصبين ( حرمة وأنت بكرامة ). فلا ينطق باسمها باعتبارها ، عار يخجل عند ذكره . فكيف لمثل هذا أن يعترف لمن من يراها مسلوبة الكرامة وحق الإكرام .. بعاطفة نبيلة قامت عليها كل الأديان ؟!
إن وراثة الأفكار كوراثة الأشياء إلا أنها أشد تأثيرا وأبلغ أثرا . هذه الأفكار الملوثة - بالتهميش والدونية والاحتقار وسوء المعاملة وسوء الخلق والتعاسر والصراع والتسلط الأهوج ، وشن الحرب على العواطف النبيلة المشروعة - ينبغي أن لا تكون مرجعا لبناء مجتمع سوي وأسر صالحة مترابطة مثمرة .
كان النبي ( صلى الله عليه وسلم )كثير الثناء على أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وكثير الإكرام لصديقاتها بالصدقة والمعروف ، وهو القدوة والمثال الأكرم في الحب والوفاء والصبر والعطاء ، فعلاقته بالسيدة خديجة رضي الله عنها نموذجا يحتذى في العلاقات الأسرية والحب الخالد ، وهو كذلك مع باقي زوجاته ( صلى الله عليه وسلم ) .
تروي كتب التاريخ قصصا ملهمة من روائع الحب الخالد العظيم : يروى أن نبوخذ نصر ( بختنصر ) أحد ملوك الكلدان وأحد أقوى ملوك بابل وبلاد ما بين النهرين ، كان له زوجة لم تأنس لحياة الصحراء في بابل فما كان منه إلا أن بنا لها حدائق بابل المعلقة والتي عدت فيما بعد من عجائب الدنيا ، كل ذلك من أجل ( سمير أميس ) زوجته والتي حظيت بمكانة عالية لديه لرشدها وطوعها وإخلاصها .
الحب يثمر الحب ، والتقدير يثمر التقدير ، والثقة تثمر الثقة في النفوس السوية ، فالحياة الأسرية حياة محبة ورحمة وود ، وشراكة رحلة في سفر الحياة الطويل ، عمادها الفهم وأصولها الحب وجذورها المودة وثمارها الرحمة والوفاء والإكرام .
كانت زبيدة بنت جعفر بن المنصور من أهم نساء الدولة العباسية وأكثرهن شهرة وحظوة ومكانة في دولة بني العباس . زوجها الخليفة العباسي "هارون الرشيد " كان يكن لها ما يفوق الوصف تقديرا وإجلالا ، فحين أشارت عليه بإنفاذ مشروع سقيا الحجيج وهو المشروع الذي يعنى بتوفير الماء على خط سير الحجيج من بغداد إلى مكة مجانا - وهو المشروع الذي عُد ضربا من الخيال في زمنه - أمر بإنفاذه برغم تكاليفه الضخمة ، وسمي بعين زبيدة إكراما لهذه السيدة الجليلة . (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ) .
ومما ترويه كتب التاريخ أيضا أن الملك المسلم شاه جهان ( شهاب الدين ) تزوج المرأة الصالحة ( ممتاز محل ) التي منحته الحب الصادق ، والعناية الجليلة ، وسمو الرعاية ، فوق ما تمتعت به من حكمة وروية وحسن تدبير .
رافقته في كل أسفاره ورحلاته الرسمية والعسكرية ، لم تكن ذات شخصية مستكبرة أو عالية مباهية ، بل وُصفت بأنها حانية القلب عطوفة الفؤاد شفيفة الروح ، لينة طيعة ، محبة للخير ، باذلة للفقراء ودودة للمساكين ، أغدقت الحب وبذلت بسماحة وصفاء ، فأشرقت على من حولها بهاء ً ونورا فأجلها الملك وأحبها حبا عظيما ، وشاء الله أن تتوفى هذه الزوجة الصالحة فقرر الملك أن يرد الوفاء بالوفاء ، والحب بالحب ، فبنا قصر التاج ( تاج محل ) تخليدا ووفاءً وتعبيرا عن حبه الخالد ، ومازال تاج محل شامخا وشاهدا على مدار التاريخ على ذلك الحب الأسطوري .
إن حب الرجل لأهله قيمة إنسانية راقية ، ومسلك أخلاقي قويم ، حث عليه الأنبياء وهو فضيلة عظمى لا يتخلق ولايتحلى بها إلا النبلاء والعظماء من كرام الرجال ، ، وهؤلاء هم من خلدوا القيم العظمى ، وبنوا الشواهد الأسطورية ، ورسموا الصورة المثلى للحياة الأسرية القائمة على مثال الحب الخالد .
محمد عايض آل عمر

نشر في صحيفة المجاردة
2/7/2017

الحاجة للتفهم

  للضغوط النفسية العصبية   الشديدةأثر  بالغ في تهديد صحة الإنسان الجسدية والنفسية  بما فيها ضغط العلاقات الأسرية وضغوط علاقات العمل  المتوتر...