للسفر محاسن وفوائد جمة تعود على الفرد والمجتمع بالنفع . وهو خروج من مألوف المكان والإنسان والعادات والأفكار وفيه ترويح وتجارة وفتح صفحة جديدة في كتاب الحياة الواسع وهو علم وثقافة وتأمل في خلق الله وملكوته وفيه دعوة مستجابة .
فالمكان والزمان لكل منهما ضغطه واشكالاته ، وطاقته ، وخرائط أعرافه الضاغطة ،التي لا تخلو من مشكلات تضاف على عاتق الإنسان فترهق كاهله ؛لتأثر سلبا على صحته الجسدية والنفسية ، ولهذا كان السفر مرغبا فيه؛ للخروج من هذه الأزمات والضغوط المتلاحقة التي تطارد الإنسان خلال مكثه ومسيرته في مكان واحد .
السفر خروج إلى العناية و السعة . فإنسان المناطق المغلقة بكل أنواع الغلق- وهي التي تخلو من كل أنواع الأماكن المعدة للاجتماع الانساني العفوي من ميادين عامة فسيحة حيث يجتمع الناس بكل أصنافهم في أوقات فراغهم ، فتكون لهم أماكن نزهة وفسحة والتقاء وتختفي أيضا الحدائق العامة الحقيقية المبهجة ، وتختفي وسائل التثقيف والترفيه الأخرى من متاحف ، ومعارض محلية وفنية ومكتبات عامة ، وأندية للجميع ودور للمسرح والسينما وأماكن للممارسة النشاط الرياضي والاجتماعي و الفنون المختلفة
.- هذا الإنسان هو أكثر الناس حاجة للسفر إن الإنسان حين يعيش في مثل هذا الجو الخانق يحتاج للتجديد والترويح ، والخروج إلى مناطق أكثر رحابة واتساعا وترحيبا وعناية بمطالبه النفسية وحاجاته الاجتماعية الملحة ، وهنا تكمن أهمية السفر . مع أننا لا نلغي الدور المميز لوزارة السياحة في العناية بالأطلال المختلفة فقط .
السفر خروج من مألوف العادات و الأفكار المتطرفة بأنواعها . حين يقف التفكير والاهتمام عند كثير من عامة المجتمع ،حول قضايا تافهة واهتمامات أقل ما يمكن أن توصف بأنها وضيعة .وهذا ما يسميه الكواكبي ( التسفل ) وهو ناتج عن ضيق مجالات النشاط الإنساني وتضييق أفق التفكير على فئة من الناس .
أدى هذا إلى اهتمامات منحطة عند بعض الشباب وساعدت بعض القنوات القذرة على انتاج مسوقين لكل قبيح من التقاليد الوافدة ؛ ليتبعهم المستهلكون البلهاء بلا تفكير . وهنا تأتي أهمية السفر ليستفيق الإنسان الذي لم يخرج من الصندوق ويرى أن العالم لا يعيش من أجل هذه الاهتمامات الدنيا فقط ، وأن مجالات النشاط الإنساني غير محدودة ، و أفق التفكير واسع المدى . وأن كثيرا من البلاد تعتز بثقافتها وآدابها وتراثها ؛ فيضخ السفر أفكارا جديدة وصورا جديدة واهتمامات جديدة ليرقى بها في أحايين كثيرة .
السفر علم وثقافة . السفر من أجل طلب العلم مقصد نبيل ، وقد كان العلماء السابقين يرون السفر مناط ثقة العالم . وقالوا : " من لم يرحل فلا ثقة بعلمه " وقال الإمام يحيى بن معين :" أربعة لا تؤنس منهم رشدا " أي لا تبصر منهم خيرا ولانفعا وذكر الثلاثة ثم قال : " ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث " وقد كان السفر جزء أصيلا من حياة العلماء والمفكرين والأدباء والمؤرخين والشعراء ، حتى أن منهم من أمضى حياته متنقلا مسافرا بين البلدان .
وفي الختام أنقل لكم ما قاله العالم الحافظ الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل " عن فضائل السفر :يقول : ( لو عرف الطاعن على أهل الرحلة مقدار لذة الراحل في رحلته ، ونشاطه عند فصوله من وطنه ، والنظر إلى حدائق الأقطار وغياضها ، ورياضها ، وتصفح الوجوه ومشاهدة مالم يرمن عجائب البلدان واختلاف الألسنة ، والألوان ؛ لعلم أن لذات الدنيا في مجموعة محاسن تلك المشاهد ، وحلاوة تلك المناظر ، واقتناص تلك الفوائد ...الخ ) أنتهى .
نشر بصحيفة المجاردة الالكترونية 22/5/2012