في عام 2018 قررت الحكومة البريطانية تعيين الوزيرة " Tracey Crouch" تريسي كراوتش لمكافحة آثار الوحدة والعزلة الاجتماعية ،كان ذلك بناء على مبادرة من لجنة كوكس وهي الجهات المستقلة التي تكونت بمشاركة عدد من نواب البرلمان البريطاني و 13 من الجمعيات الأهلية والخيرية المهتمة بمكافحة خطر الوحدة والعزلة الاجتماعية . فهل يعد هذا الأمر وباء وخطرا قاتلا يستدعي كل هذا الاهتمام ؟
فبحسب باحثين تعد الوحدة والعزلة الاجتماعية أشد خطرا من التدخين والسمنة وتتسبب في أمراض القلب والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وضعف المناعة والأمراض السرطانية وتزيد نسبة الوفاة ب30% ، وهذا ما أشار إليه د.عبدالهادي مصباح أستاذ المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة .
في مجلة PSPBوهي مجلة معنية بالشخصية وعلم النفس الاجتماعي نشرت دراسة أجريت على أكثر من 200شخص تتراوح أعمارهم بين 50-68سنة وخلصت إلى أن الذين يعانون الوحدة أصبحوا أكثر أنانية من غيرهم إضافة إلى ازدياد القلق والضغط النفسي مما ينعكس على صحة القلب والجهاز العصبي والدماغ . وتم نشرها في وسائل إعلام متعددة .
وفي ملخص لنتائج 148 دراسة امتدت 7 سنوات شملت مواطنون من أمريكا وأوروبا وآسيا نقلت أ. عبير فؤاد في مقال على موقع للعلم تحت عنوان ( ( الوحدة والعزلة الاجتماعية.. القاتلون الجدد )) عن د. جوليان هولت لونستاد -أستاذ علم النفس والأعصاب، بجامعة بريجهام يونج بالولايات المتحدة الأمريكية-" قوله : إن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية يكون لديهم احتمالية أكبر للبقاء بنسبة 50 % مقارنة بنظرائهم
وفي تجربة حول خطر الوحدة والعزلة ذكر موقع DW الألماني قيام علماء بإجراء تجربة على شخصين لقياس نسبة التوتر لديهما عن طريق اللعاب لمعرفة نسبة هرمونات الاجهاد لدى كل منهما ، والنتيجة أن الشخص الذي ينعم بعلاقات اجتماعية حميمة ارتفعت لديه نسبة الكورتيزول باعتدال ، بينما الشخص الذي يعاني الوحدة كانت نسبة الكورتيزول لديه مرتفعة ليحصل الجسم على امدادات لمواجهة أعراض صحية محتملة ، فيقل النوم وترتفع نسبة السكر والضغط كما تتدنى كفاءة جهاز المناعة لذلك السبب .
يفرق الباحثون بين الوحدة والعزلة الاجتماعية في أن العزلة الاجتماعية هي البعد المادي عن الآخرين وانقطاع وسائل التواصل بينما يعرفون الوحدة بأنه شعور بعدم من يتفهمك ويشاركك الاهتمامات ، وفيها لا يحصل على إشباع نفسي مرضي للتواصل الودي مع الآخرين حتى لوكان في جمع من الناس . ويعدونها في حال استمرارها لفترات طويلة حالة مرضية قاسية .
الإنسان كائن اجتماعي وخلق ليعيش في جماعات ولم يخلق ليعيش منفردا ؛ ولذلك تجده يتمثل كل وسائل الاجتماع ويحرص على تكوينها خاصة تلك التي تعبر عن حياة الناس وتعبر عن الحاجة للانتماء .
وبالرغم من التطور المذهل في وسائل التواصل الاجتماعي إلا إن اتساع فجوة الوحدة والانعزال آخذة في الازدياد، عزز هذا السلوك تجاه الوحدة والعزلة الاجتماعية تضخم المدن، وأوقات العمل الممتدة و الطويلة، والتعويض بالعالم الافتراضي -الذي قلل من أهمية التواصل الإنساني المباشر -، أيضا الصدمات النفسية والإحباط الاجتماعي وسيطرة الديون التي تؤدي لقلة ذات اليد في ظل كلفة عالية للقاءات الأسرية والاجتماعية في بعض المجتمعات. كل هذه الأسباب وغيرها ..أدت إلى...تفاقم خطر الوحدة والعزلة الاجتماعية وبات وباء يهدد المجتمعات العربية ، في ظل مسار عالمي يتجه نحو حياة العزلة والوحدة وتفكيك الإنسان . دون إدراك كاف لخطر هذا القاتل الخفي للصحة الجسمية والنفسية للفرد والمجتمع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق