الأربعاء، 1 مايو 2019

الثمن والتاريخ

استوقفني حديث أحد أساتذة الجامعة يحمل دالاً ( دكتور ) حين قال : ندمت على شهادتي وتمنيت التجارة واستغربت لهذا التشوه المعرفي لدور المهن والخلل القيمي وتقديم جمع المال على العلم الذي تكفل الله برفعة أصحابه .
هذا مثال على الخلط بين أدوار المهن المختلفة وأهمية كل دور والتخلي عن خدمة الناس والمجتمع والبحث عن المكاسب المادية فقط ، ولكي تتضح الصورة تخيل أن كل موظفي القطاع العام تجارا : المعلم ، الطبيب ، القاضي ، ورجل الأمن !! .... كيف يكون المجتمع !!

برغم أهمية التجارة إلى أنها لاتعلو على العلم ، ولا حتى على المهن التي تفوقها أهمية ، كالزراعة والأعمال الصناعية والحرفية والمهن المختلفة فبدون هذه المهن لاتقوم تجارة حقيقية قائمة على سلع إنتاجية .
التجارة ليست مهنة من لامهنة له والعمل بها ليس هينا على الإطلاق فهي كأي مهنة لها صفاتها وخصائصها وطبائعها الأخلاقية ومنطقها الخاص ومواقفها ونظرتها المصلحية الخالصة التي قد تتعارض مع بعض القيم والأخلاق العليا في حالة تجاوزها .
مخطئ من يظن أن كل بائع يصلح تاجرا ، أو قائد مركبة للتأجير أو معدة لأعمال خاصة أنه أصبح تاجرا فيترك مهنته ويقصر بأداء واجباته الوظيفية على وهم أنه أصبح تاجرا لايشق له غبار .

فرق بين جمع المال بأي طريق وبين ريادة الأعمال وهنا يمارس وعاظ التدريب الخلط بين قرار الثراء الشخصي وبين العمل المؤسسي لريادة الأعمال المبرمج . لأن قرار الثراء العشوائي يحتمل الوصول اليه بكل الطرق النزيهه وغيرها وعلى حساب المهام الوظيفية العامة فقصر هنا وهناك .
أما ريادة الأعمال فهي عمل يستحق التقدير وجهد منظم وصاحبه متفرغ له ، ومع هذا التفرغ قد يصل للوفرة المالية وقد لايصل ، لكنه على كل حال لديه هدف نبيل وهو تقديم خدمة عالية الجودة للمجتمع . وهذا الجانب ليس المقصود بالحديث .
أن تجيد ما تعمل فأنت ثري لأن الغنى الحقيقي هو أن تدرك معنى حياتك ، وقوة تأثير دورك الإيجابي فيما أسند إليك من عمل والمال يأتي تبعا لذلك ، أما من تدور حياته بكل تفاصيلها الدقيقة حول جمع المال فهذا يعيش حياة بائسة لامعنى لها مهما جمع من ثروة . وكم من ثري المال عاش من أجله فقط فمات بائسا مخنوقا بجرائمه .
أعظم ثروة أن تكون حياتك من أجل هدف نبيل وعظيم تحقق به خير الدنيا ونعيم الآخرة ، الأمثلة لاتحصر لأولئك الذين عاشوا حياة بسيطة لكنها عظيمة وحققوا أعمالا جليلة ، ، التاريخ لايخلد التجار لأنهم قبضوا الثمن ، وإنما يخلد القادة والعلماء والرجال الذين عاشوا من أجل رقي مجتمعاتهم وضحوا من أجل رفعة بلادهم ولم يقبضوا الثمن وتركوا تقدير الثمن للتاريخ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحاجة للتفهم

  للضغوط النفسية العصبية   الشديدةأثر  بالغ في تهديد صحة الإنسان الجسدية والنفسية  بما فيها ضغط العلاقات الأسرية وضغوط علاقات العمل  المتوتر...