السبت، 4 أبريل 2020

الجائزة الكبرى


في كتابه الشهير " دع القلق وابدأ الحياة " يذكر مؤلف الكتاب الأمريكي الأصل  دايل كارنيجي قصة عن عائلته فيقول : 
كان والدي فقيرا جدا ووالدتي أيضا حتى أنها كانت تخيط ثيابي بيدها ولم استطع لبس الجوارب فقد كانت شي من الرفاهية لأن النقود كانت شحيحة للغاية إلى درجة أننا نتبادل السلع بالسلع البيض بالزبدة والسكر بالدقيق ، كتبادلات بدلا من النقود ، فالأوضاع الاقتصادية كانت صعبة للغاية . كان والدي يعمل أكثر من 16 ساعة وكذلك والدتي ومع ذلك كانت أعمالهم كأنها تذهب سدى ، فتكت الكوليرا بالناس وبالماشية ، وفي سنة رحمنا الله وتحسن الحال قليلا فأخذنا مواشينا التي ربيناها خلال عام كامل إلى سوق الماشية في شيكاغو لكننا فوجئنا بالكساد الكبير في سوق الماشية ولم نجن من  بيع ماشيتنا  سوى ثلاثين دولارا ، كانت ثمرة عام كامل ، 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد اضطررنا إلى رهن مزرعتنا الصغيرة بعد أن أثقلت الديون كواهلنا ، وهددنا صاحب الرهن  بطردنا من مزرعتنا الصغيرة وهي مصدر رزقنا الوحيد ، أنتاب والدي الحزن و القلق الشديد ، حتى مرض وساءت حالته  وفي أحد الأيام خرج والدي متهاديا إلى مزرعته في حالة يرثى لها ، وتأخرت  عودته ، فخرجت أمي للبحث عنه فوجدته على حافة جسر النهر يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وكأنه يراود نفسه في التخلص منها وإلقاء نفسه في النهر ، هربا من شدة الهموم التي أثقلت كاهله وأقضت مضجعه ، لكن والدتي جاءت في الوقت المناسب وأخذت بيده ونظرت في عينيه فإذا هي تفيض  بماء الألم . هدأت من روعه وذكرته بأن الحياة ليست عسر دائم وأن مفاتيح الفرج بيد الله ...

عاد والدي مع والدتي إلى البيت كان عمره آنذاك أثنان واربعون عاما .. وما لبثت الأيام  أن تبدلت ولبست ثياب اليسر  وتحسن وضع الاقتصاد وانتعشت الأسواق مجددا وعادت الحياة إلى والدي وعاش بعد ذاك الموقف العصيب  41 سنة أخرى في بحبوحة من العيش . 

في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة رؤية واضحة للموقف من الأزمات والكوارث وفيها توجيه وحث مستمر  على الصبر وعدم القنوط وانتظار الفرج مع العمل الدؤوب والدائم للعمل بالأسباب ، بل يعد الله بالجائزة الكبرى للصابرين ممن فقدوا عزيزا أو مالا أو متاعا أو ابتلوا بشي من الابتلاءات ، تلك الجائزة العظيمة من نصيب الصابرين 

قال صاحب الكشاف : عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال ( ينصب الله الموازين يوم القيامة، فيؤتى أهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صباً " " قال الله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض لما به أهل البلاء من الفضل ) هذا الجزاء العظيم في الآخرة وفي الدنيا يثمر الصبر نجاحا وتوفيقا وتجاوزا لكل المصاعب والعقبات  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحاجة للتفهم

  للضغوط النفسية العصبية   الشديدةأثر  بالغ في تهديد صحة الإنسان الجسدية والنفسية  بما فيها ضغط العلاقات الأسرية وضغوط علاقات العمل  المتوتر...