عندما نصغي لبعض المحللين الاقتصاديين في بعض القنوات التلفزيونية تشعر أنك تستمع لمتنبئين بالغيب فيصورون لك كيف سينهار العالم وكيف سيتهاوى بين عشية وضحاها !! وكأن هذا العالم جمع لاعبين بين أيديهم على أرائك الاحتياط ليس لهم من الأمر شيء و لا يقدرون على شيء سوى المشاهدة ، تتألم لهول هذا المشهد التشاؤمي الإعلامي وهذا الجبر التحليلي القطعي ، المطروح عند هؤلاء المتنبئون .
يرى هذا المتنبئ أنه يقدم استشرافا للمستقبل بزعمه والحقيقة أنه ينثر الإحباط والبؤس ويقتل زهرة الأمل ويطفئ شمعته بليل حالك ، متناسيا أن الاستشراف ليس عملية عشوائية تشاؤمية بقدر ماهو منظور مستقبلي وفق دراسات منهجية تنظر إلى المشكلات المتوقعة والحلول المناسبة لها ، قد يشتركان فيها الحدس وبعد النظر ولكن تبقى بشقيها المشكلة والحل محل النظر والتحليل .
إن نشر التوقعات المستقبلية المنذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور والوعيد بالفقر المدقع والجوع العظيم وتهاوي الأمم وسقوط الدول وموت الملايين ، كله ارسال للكلام على عواهنه ويجانبه الصواب من جانبين :
أولهما: إلغاء قدرة الله على تسيير هذا الكون وأنه المدبر المتصرف فيه ، وتدخل في مسارات متغيرة ومتقلبة بحسب ظروف من طبيعتها التغير المستمر فلا تستطيع الإحاطة بكل عواملها وأسبابها المختلفة وكيف يمكن أن تتغير الأمور وتتبدل بسرعة مذهلة ، وكورونا مثال على ذلك .
الأمر الثاني : بعد مشيئة الله تلغي تلك التنبؤات قدرة البشر على الفعل والتغيير والاختيار والاسهام في حل المشكلات وتجاوز العقبات فمثل هذه التنبؤات القاتلة للفعل والأمل دون النظر إلى الحلول الممكنة ومناقشة المشاكل من جميع جوانبها تصور للبشرية أنه لاقدرة لها على الحل ومجابهة تلك المشكلات ،والاستسلام للمصير التنبؤي الجبري المحتوم سلفا وانتظار ذلك اليوم دون بذل جهد أو اسهام في تغيير الوضع .
إن الخوف من المستقبل الذي تبثه وسائل الإعلام والتحليلات والتنبؤات التي لاتسمن ولاتغني من جوع كلها تؤثر في المشاهد المتابع لهذه النشرات التي تتسابق على استقطابه ، وهي تتحدث عن مستقبل أرزاق البشرية (اقتصاد الدول ). ومع أهمية الجانب العلمي في التحليلات إلا أنها لا تتحدث عن كل الحقيقة . فنشرات الاخبار الاقتصادية والتحليلات هي جزءبسيط من المشهد وليست كل المشهد ، وهي تخمين لأمور قد تصيب وقد لا تصيب وفي الغالب أنها لا تصيب في كل تفاصيلها .
و مع شدة الأزمة التي يمر بها العالم يبقى المسلم مؤمنا بقضاء الله وقدره مطمئن إلى أن رزقه مقسوم ومكفول بوعد الله له. يقول تعالى ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات وقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر 3]ووعد الله سبحانه ( إن مع العسر يسرا )
فقضية الرزق محسومة لا يخاف ولا يشقى بها الإنسان . إنما يشقيه هذا التهويل الإعلامي العالمي والتحليل الاقتصادي القاصر في النظر إلى جزء من الصورة ، هذا الجزء الذي يورث الخوف والهلع وهو لايملك من الأمر شيئا . ونحن بحمد الله ننعم بخير وفير، وقيادة فاعلة وقادرة بإذن الله بتعاون الجميع والالتزام بالتوجيهات على تجاوز الأزمة ويبقى الأمر كله بيد الله وحده وهو القائل سبحانه ( و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق