بمداد من حزن ، ولوعة من حروف الأسى ، وبفيض الألم ولواعج الفراق ، وبمشاعر تكتبها المآقي بدموع الوجد على صدى ذكرى الملك الراحل ، ملك الإنسانية الذي أعتلى عرش المجد مدونا سيرته في ديوان الخالدين ، مهتديا بسنة الإسلام وسائرا على هدي الصالحين .
حمل رسالة الإسلام الخالدة ،وقام بمشعل القيم الذي اقتبس نوره من نور الرسالة المحمدية ؛ ليهتدي بنور الحق ، ويسير بالأمة على صراط مستقيم ، نحو النماء والبناء والنهضة ، متسما بخطوط عريضة ومضامين كثيرة يأتي في مقدمتها :
إرساء دعائم السلام . لقد حمل لواء السلام والأمن والاستقرار ، في وطنه وفي الوطن العربي الكبير ، ودعا إليه في كل المحافل الدولية ، منطلقا من دعوة الإسلام والشريعة السمحاء ؛ لبناء الحضارة الإنسانية ، وإعمار الأرض . ولا يتأتى ذلك إلا بنشر السلام والأمن الدوليين .
ويأتي العلم من ضمن أولويات الملك الراحل ومن أهم المضامين التي حرص عليها ؛ فاعتنى بنشر العلم والعناية بالمتعلمين على كافة المستويات - ومثل هذا المقال لا يتسع لتناول تلك الإنجازات العظيمة والهائلة في فترة وجيزة - و عمل على نشر التعليم الجامعي بشكل غير مسبوق ، وفتح الباب للبعثات في كل التخصصات ، وخصص الميزانيات الضخمة للتعليم ، إدراكا منه " رحمه الله " لقيمة العلم وأثر التعليم في بناء الأمم والشعوب ، وأن الأمم لا تنهض بغير العلم والعلماء .
وكانت عنايته "رحمه الله" بالحوار عناية خاصة فهو مدرك لقيمة الحوار بين المختلفين في الداخل والخارج ، وأن الحوار ، يعزز مبدأ التسامح ،ويفتح أبواب السلم ؛ لذلك أسس مركز الحوار الوطني ليناقش المجتمعون فيه كل قضايا الوطن بمطلق الحرية .
بعد ذلك أسس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان في " فينا " ليكون حدثا تاريخيا فارقا ، ونقطة بارزة في العلاقات الحضارية والإنسانية بين مختلف الحضارات في كل أنحاء العالم ؛ حرصا منه على المسلمين ، ونشرا لثقافة التعايش السلمي وتعميقا لثقافة الحوار ونبذ العنف والإرهاب والتطرف واستباحة الدماء .
لقد كانت كلمته رحمه الله في مكة المكرمة 5-6/ ذي القعدة 1426 - عند تأسيس المركز في مكة المكرمة للخروج برؤية إسلامية موحدة للحوار مع أتباع والثقافات المعتبرة - تأكيدا لهذه المعاني الإنسانية وأن الوحدة الإسلامية لا يمكن تحقيقها بالتكفير واستباحة الدماء وإنما بالحوار والاحترام المتبادل .
لقد انتهج رحمه الله منهج الرفق والرحمة والرأفة برعيته في سياسته ، ووقف ناصرا وداعما للضعفاء والفقراء وذي الحاجة ، من خلال دعم المؤسسات المعنية بهذا الشأن ، فملك زمام القلوب ، واُطلِق عليه ما يستحقه من الأسماء مثل ، حبيب الشعب ، ملك القلوب ، وملك الإنسانية ، وكان حريصا على جمع الكلمة ووحدة الصف على المستوى المحلي وعلى مستوى الوطن العربي الكبير ، فسمي حكيم العرب ، ونال العديد من شهادات ، التقدير على أعماله الجليلة في مد يد العون من خلال المساعدات الدولية . لقد كان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ثاقبا في رؤيته ،عظيما برسالته التي حملت معاني السلام ، والعلم، والرحمة .
في الختام نتقدم إلى الأسرة المالكة الكريمة وإلى الشعب السعودي ،و إلى الأمتين العربية والإسلامية ، بأحر التعازي وصادق المواساة في فقيد الأمة ، ورجل من أعظم رجالها الملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز" رحمه الله وغفر له . ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "وإنا لفراقك يا عبدالله لمحزونون " .
نشر في صحيفة المجاردة بتاريخ 26/1/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق