أن تمضي حياتك لتصنع فارقا حسناً في حياة آخرين فتلك نعمةٌ وسعادة ٌوسمو عظيم . تبدأ الأحلام بفكرة تشق عباب الحياة وتنمو بجهد صادق وتسقى بمزن الرعاية حتى يورق الأمل . هكذا أثمرت الأحلام العظيمة. نمت في أذهان العظماء ، وتحولت بإرادة الله إلى واقع ملموس بقوة الإرادة والعزم والتصميم والصبر والتضحيات ؛ لتغدق حياة الأمم .
"الفرسان الملكيون" قصة واقعية للتحفيز مستوحاه من كتاب " شوربة الدجاج للروح" لمؤلفيه جاك كانفيلد ومارك فيكتور هانس ، وقعت هذه القصة في أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة في حي منهاتن في نيويورك ، المعروف ب..هارلم حيث الفقر المدقع والتشرد ، وسط غابة الثراء والمال في مانهاتن ، وهو حي يوصف بأنه أشد فقرا من أحياء مدن في العالم الثالث ، حيث يعيش طلاب مدارسه حياة التسكع والتشرد والضياع .
في ظل هذا التيه التربوي لطلاب الحي يحضر للمدرسة معلم لغة إنجليزية هو الأستاذ " بيل هال " ويُصدم لما يرى من مأساة الطلاب وحجم الضياع وغياب الأهداف ، وغياب القدرة على تحقيق الذات . طلاب ماتت آمالهم فازدادت حياتهم ألما وتشردا وضياعا وتسكعا .
بحث الأستاذ " بيل هال " عن اهتمام مشترك يصنع منه هدفا عاما يلتف حوله طلاب المدرسة ،وأثناء بحثه في الحي لاحظ فقيرا يحمل لوحة شطرنج ، هذه اللوحة قدحت فكرة لعبة الشطرنج في ذهن المعلم " بيل" المتميز في هذه اللعبة وبدأ يفكر في جعل هذه اللعبة هدفا يجمع الطلاب حوله .
وافق مدير المدرسة على افتتاح ناد للشطرنج على مضض لممارسة هذه اللعبة خارج أوقات اليوم الدراسي ، وكان أول ناد في الحي يفتتح لممارسة اللعبة ، غير أنه جوبه برفض الآباء تسجيل أبنائهم في هذا النادي .
لم يستجب له سوى 12 طالباً وكان مرد الرفض أن هذه اللعبة لا تحقق الشهرة ولا الثراء، وليس لها مستقبل في البلاد . ليصبح الطلاب المنتمون لهذا النادي مثار سخرية الآخرين . فلا فائدة ترجى من مثل هذه الألعاب !
واظب الاثنا عشر طالبا على الحضور ، وتولى المعلم أمر رعايتهم رعاية أبوية حتى أنه يقدم لهم وجبات الطعام على حسابه ، وتقدمت مهارات الطلاب في اللعبة ، وأخذوا بممارسة اللعبة في مباريات خارج الحي ، ومازال المعلم يتولى تدريبهم والإنفاق عليهم حتى أجرة التنقلات .
أخذهم الأستاذ " بيل هال " إلى نادي مانهاتن للشطرنج ، ثم اصطحبهم إلى نهائيات الولاية ، وبدأ الطلاب الذين كانوا يعيشون حياة التيه والضياع والتسكع يشعرون بوجود هدف في حياتهم جعلهم يلتفون حوله لتحقيق ذواتهم ، واختاروا لفريقهم مسمى ( الفرسان الملكيون ) وحقق الفرسان الملكيون المركز الثالث على مستوى الولاية ، وأصبحو جاهزين لنهائيات كاليفورنيا .
لقد أصبح النجاح حليف " الملكيون " وهم في طريق النجاح لم يصغ الفريق إلى همسات المثبطين بأنهم وصلوا إلى أقصى مايمكن الوصول إليه . كان هناك فعلا عقبات ليست سهلة في طريق الصعود ، وأهمها تواضع الإمكانات المادية واستطاع الأستاذ " بيل هال " جمع المبلغ والسفر بالفريق إلى كاليفورنيا للمشاركة في المسابقة القومية ، واستطاع الفريق التفوق على 17 فريق منافس ، وعاد الفريق إلى نيويورك متوجا بشهرة وجمهور وإعلام وكاميرات تتبع إنجازاته .
في إحدى اللقاءات في نادي نيويورك للشطرنج التقى أعضاء الفريق بأحد اللاعبين من الإتحاد الروسي كان قد حقق بطولة العالم في اللعبة ، وفي هذا اللقاء أضاءت فكرة مشاركة الفريق في المسابقات الدولية العالمية للشطرنج في روسيا عاصمة الشطرنج في العالم .
حاول الأستاذ " بيل " أخذ دعم المسؤولين في المقاطعة لكنهم رفضوا الفكرة بحجة أن هذا الفريق الناشئ لن يسطع تحقيق نتائج مع عباقرة الشطرنج العالميين ، لم ييأس الأستاذ " بيل" وبحث عن داعم للفريق وتبرعت شركت بيبسي كولا بمبلغ 20000 الف دولار وساهمت بعض المؤسسات ببعض الدعم المالي بينما تخلت المؤسسات الرسمية عن دعم الفريق .
كانت الخطوة الأولى في صعود الطائرة صوب روسيا هي الخطوة الأولى نحو تحقيق الهدف العالمي لفريق " الملكيون " ، وصل الفريق إلى موسكو وبدأ اللقاء بالفرق الروسية وبدى الأمر مخيفا في بداياته ؛ فهم أساتذة اللعبة في العالم ، وتأرجحت نتائج اللقاءات بين التعادلات والفوز في إحدى المباريات ، وعُد هذا إنجازا بكل المقاييس لفريق بدأ من الصفر من أحد الأحياء البائسة والمهمشة إلى فريق تتناول أخباره وكالات الأنباء العالمية .
عاد الفريق إلى مدرسته في منطقته المسكونة بالألم والفقر والتهميش ، لتنهال عليه العروض والعقود والإعلام والشهرة العالمية . وتوافد الطلاب من الأحياء المجاورة بكثافة يطلبون الانضمام للنادي الذي لم يستطع الموافقة على كل طلبات العضوية . ليبرز السؤال من صنع هذا الفارق العظيم في حياة أولئك البسطاء ؟ هل هي الكتب الدراسية ؟ بالطبع لا .
إنه الملهم الذي تناسى ذاته ، ليصنع فارقا في حياة البسطاء ، لقد استطاع المعلم بوضوح الهدف ،وقوة التركيز، وكبح طغيان أنانية الذات ، وقوة الإرادة والعزيمة ، والصبر، والأمل واستغلال القدرات ، أن يحقق انجازا ليس له فحسب بل لكل من حوله ، وأن يثبت أن هؤلاء الفقراء و المهمشين يمكن أن يصبحوا شيئا ،و بإمكانهم تحقيق إنجازات في كل المجالات، والتاريخ يسجل بمداد الذهب أسماء وأمجاد أولئك الذين تناسوا ذواتهم ، وعاشوا من أجل آخرين يخرجونهم من هوة السحق و ركام البؤس ، وظلام المجهول .
في إحدى اللقاءات التلفزيونية سُئل بعض أعضاء الفريق ماذا كانوا يفعلون قبل ظهور الأستاذ " بيل هال " في حياتهم ؟ فأجاب أحدهم : كنا نتسكع في الشوارع ونشعر بأنا لاشئ ، وأجاب آخر كنا نلتقط النقود بأي طريقة لتعاطي العقاقير المخدرة بين الحين والآخر ، وأجاب آخر والدموع تترقرق في عينيه " لقد استطاع الأستاذ " بيل هال " أن يقنع العالم بأننا لسنا حثالة وبإمكاننا أن نكون شيئا مذكورا " .
نشر في صحيفة المجاردة في 11/5/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق