الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020

حلم الحياة






حلم الحياة 


يحملنا  قطار الحياة سريعا ، يتوقف بين الفينة والأخرى في محطات متباينة فنغفو فيها على حلم الحياة ،  نجد فيه سلوة الأصحاب ، وحديث الأصدقاء وصحبة الرفقاء ومحبة محبين ، ثم لا نلبث أن يسير بنا  في مسالك متعرجة في دروب الحياة المختلفة، فتظل ذكرى تلك الوجوه بابتساماتها وأحزانها والآمها قابعة في ذاكرة الزمن .

نحزن كثيرا لمن نودع ذكراهم بالدموع أولئك الذين غادروا قطار الحياة مبكرين ، نستذكر قصصهم وأماسيهم ، ونستذكر اتفاقنا واختلافنا على هوامش اللقاء . لم  نكن نشعر أنهم في لحظة سيغادرون الحياة فجأة بلا مقدمات ولا وداع. لكنه قانون الحياة . تمر اللحظات الجميلة بشقيها لحظة الخلاف البرئ والوفاق الجميل كحلم عابر للزمن كطيف لطيف  ، كظل سحابة .

لحظات ظلال الحياة  تستحق العناية ، لحظة صفاء مع صديق ، ولحظة ود مع حبيب ولحظة قرب لقريب  ، ولحظات  رخاء الوداد مع من حولك تطيل أمد هذا الحلم الجميل ، هذا الحلم الجميل يمسي حلما من  الذكريات بعد أن يصل القطار محطة أخرى .

محمد عايض آل عمر




 

الأحد، 11 أكتوبر 2020

تحرير المشاعر

تحرير المشاعر

تتراكم المشاعر بالمواقف والأحداث اليومية المتلاحقة ، سواء كانت حزنا أو غضبا أو ألما أو حتى فرحا .

و تلبث هذه المشاعر المكبوتة خلف ستائر الكتمان لتكون حاضرة عند أي موقف ضاغط ، أو كاشف لسترها من كلمة نابية مهاجرة ، أو صورة معبرة ، أو سلوك مستفز .

لذا فمن المهم وجود قنوات ومسارب لفيض المشاعر ، سواء كانت هذه القنوات أدبية أو فنية أو رياضية أو أحبة وأصدقاء أو حتى السفر ، تفيض من خلالها هذه المشاعر المكبوتة .

إن كبت المشاعر لفترات ممتدة يدمر صحة الإنسان حين لايجد لها مسارا ولا مخرجا، .فتحرير المشاعر المكبوتة وخاصة المؤلمة يسهم في وقاية الإنسان من العلل النفسية والجسدية.

محمد عايض آل عمر

الاثنين، 5 أكتوبر 2020

علاقات منهارة



العلاقات المثلى تؤسس على قيم صلبة وراسخة ولا تؤسس على قيم منهارة كالكذب والغش والخداع والزيف والمراوغة ، وكل نموذج يؤسس على مثال القيم المنهارة سيسقط حتما وسيسقط معه العمر الذي يدفع ثمنا لمثل هذه العلاقات المزيفة . إن العلاقات الصادقة الممتدة لابد أن تقوم على دعائم صلبة وقيم راسخة وثابتة كالصدق والإخلاص والأمانة والوفاء والصبر وحفظ المعروف برد الجميل . هذه القيم الراسخة بجذورها هي التي تثبت العلاقة وتطيل عمرها وتجعلها تثمر كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء .


النرجسيون والانتهازيون الانانيون والمخادعون والكذابون والطاوؤسيون هؤلاء المضطربون نفسيا لاتعد العلاقات الإنسانية في دائرة اهتمامهم ، إلا بما يشبع نهمهم النفسي في حب السيطرة والارتقاء على الآم الآخرين . حيث يعدون الأخرين سلما يرتقون عليه للوصول إلى مطامحهم وأوهامهم ثم يركلون ذاك السلم بأقدامهم ، وينظرون إلى من حولهم كمجرد أدوات لتحقيق عقدهم النفسية ، فإذا ما انتهوا من لعبتهم القذرة معهم ، قذفوا بهم على قارعة الطريق كفردة حذاء بالية لا يلقون لها بالا ، ويستمر البحث عن ضحايا آخرين يمارسون معهم نفس الدور .

هؤلاء المضطربون الخطرون - مكمن خطورتهم في خفاء اضطرابهم - فلا يمكن أن تقام معهم علاقات طويلة وصداقات ممتدة سواء أسرية أو غيرها ..لأن العلاقة سيكون لها تبعات مدمرة إنها أشبه ما تكون بمن يبني منزلا في مجرى سيل دائم . وكم من قصص رويت عن أسر دمرت وعلاقات  تحولت إلى عداوات شخصية،  مع مثل هذه الشخصيات المريضة ، إن فكرة بناء علاقة مع هذه النماذج تعد وهما ممكنا  ، ولكن النهاية ستكون  وخيمة ومأساوية .

ويكمن الحل في بتر أي علاقة بدأت مع هذا النموذج من الشخصيات المضطربة ، ، والبعد عن  أي علاقة من أي نوع مع هذا النموذج المضطرب المؤذ  ، وقطع العلاقة من بدايتها خير من التمادي فيها لأن الصبر عليها مضيعة للوقت مؤلم للنفس والبعد عن هذه النماذج يريح من الصراع النفسي حول الاستمرار  أو عدمه مع علاقة سقطت  من بدايتها  ، وحفظا للوقت والجهد    من أن يبذل  في علاقات منهارة .

الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

لكل حزين...

لكل حزن سكن كمدا
ومجروح...
بكى على صدر ليله
تائها في ظلماء سهده
ومن تهشم قارب صبره
بسلاح أرقه ...
في بحر دمعه
على مرفأ وجعه


لكل جمرة هبطت
من عيون الألم
لكل اصفرار شجرة
و بكاء ثمرة
لكل واجم حزين


لاتحزن.. فبعد العسر يسرا
لاتحزن.. فلاحزن يدوم ..
و العسر يعقبه يسرا
وبعد الضيق فرجا
الوزن مثقال الذرة
إن خيرا عاد بخير .. 
والشر  جزاء وفاقا


لكل  الذين لاناصر لهم 
ولا معين لهم.. 
لاتحزن لست وحدك 
الله معك ما خلقك ليتركك
مدبر الكون.. معك 
لاتحزن إنه معك.. يسمع ويرى

محمد عايض آل عمر 

السبت، 26 سبتمبر 2020

كذبة بيضاء

 


ابن حزم الفقيه الاندلسي الشهير لديه عقدة وموقف من الكذابين ، فهو يرى أن الكذاب أصلا نمام وأن النميمة والكذب خصلتان مقترنتان ببعضهما ، ويرى أن الذي يستمرئ الكذب فترة طويلة يصعب عليه الخروج من دائرته ويقول أنه لا يبغض أحدا مثل الكذاب ولا يقاطع صديقا بسبب ذنوبه إلا الكذاب  فإنه لا يسايره ولا يؤاخيه بل يحث على قطيعته وتركه ، ويعلل ذلك بأن الكذاب يعاني مرضا في نفسه وعلة في قلبه يصعب التخلص منها ، ورد هذا في كتابه " طوق الحمامة " 

وإذاكان هذا موقف أحد الفقهاء الكبار فكيف لوعاش زمانا مثل زماننا ورأى الإعلام العربي كيف يوسع دائرة الكذب يوما بعد يوم ، وكيف لوعلم أن الكذب أصبح تجارة وتسويق وإعلان وعند المحتالين فهلوة وشطارة ، الكذب لم يعد سمة شخصية وإن كان بعض الأفراد يتسم بها دون حياء إلا أنه أصبح عملا منظما وملونا .

 

الأحد، 20 سبتمبر 2020

ج. ي


جملها بكيانه وجعلها تحفة فنية رسمها مبدعها بقلم عمره واستخرج آلوانها من ضياء روحه، فغدت عملا مشرقا زاهيا مؤنسا يسر الناظرين، واختار لها اسما عبر عن الحياة والعالم.. بجماله وسعته..

يختطفها عابث لم يقدر كم هي ثمينة وكم من السنين الباهضة ُدفعت ثمنا لروحها النادرة وألوانها الباسمة الصادقة  .

هدية ودرة فنية ليست  كاللوحات  بيعت على عابث   دمر إشراقها ، وحطم  ريشة الثواني التي قدتها من ضياء أملها وشمعة طموحها   ، سرق   روح ألوانها ..

أعتم  نهار جمال تعابيرها  حتى غدت شموس بهجتها بالكاد تضئ ، قذف بها   في ركن  من الإهمال المعتم   حتى غدت  مثلا للوحة محطمة...

نور شعاعها مايزال يشع خافتا كجوهرة يائسة   وحقها أن تكون تمثالا نادرا ومثلا    لكل الفنون الجميلة.. وستكون.

       محمد عايض آل عمر

الأحد، 6 سبتمبر 2020

ضغط الفراغ


يعد الفراغ اليوم هاجسا كبيرا لدى شريحة من الناس وقد فاقمت الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم من ضغوط هذا الكابوس حيث رفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق ، وشكل هذا الفراغ ضغطا نفسيا وماديا كبيرا على الشباب خاصة ، والباحثين عن العمل من القادرين عليه .

المجتمع الخليجي بشكل خاص لديه ميزة وفرصة ماتزال سانحة في سوق العمل تتمثل في الحرف اليدوية و المهن المختلفة  ؛ برغم أن الحديث عن الحرف المهنية  حديث مُثقل على بعض الشباب نظرا للخلفية الثقافية التي تنظر للعمل اليدوي  نظرة إزدراء وهي نظرة جائرة ومسيئة لأهم الأعمال التي ترتكز عليها كافة المجتمعات ، ناهيك عن دورها الاجتماعي و الاقتصادي في رفع حاجة الباحث عن العمل في مقتبل العمر . 

إن العمل المهني الحر للشباب الباحث عن عمل يمثل فرصة لاستثمار الوقت فيما يعود بالنفع ، ورفعا للحاجة و علاجا لقلة ذات اليد ومشاركة لأسرته  في التكاليف ، وإعمارا للوقت وشغلاً للفراغ ،  فالشاب الذي  يهدر  وقته بغير  عمل جاد  يهدر أثمن ما يملك   ، وهو وقت كان يمكن أن يكون له ثمنه لو عمل عملا شريفا نافعا ، فقيمة الإنسان فيما يتقن .


إن الفراغ للقادر على العمل سبب في  الفقر  و العوز  ، وهذا بدوره يولد الإحساس بالضعف والخوف وعدم الاستقرار والخضوع المهين والشعور بالملل والحزن والكآبة وانعدام الأمل وانخفاض مستوى تقدير الذات وربما الجنوح للعدوانية والإدمان والجريمة لا قدر الله ،  ناهيك عن الأمراض الاجتماعية الأخرى . 

العمل الحر  - في الأعمال الحرفية اليدوية في البناء والحياكة والتسويق الزراعي والتصنيع المهني والنقل  والعمل التجاري في المشاريع الصغيرة وغيرها الكثير  ...للقادرين على العمل - يعين على سد فراغ الوقت ويدفع  شبح البطالة ، ويخفف  من حدة آثارها النفسية والاجتماعية حتى يتحقق أمل الشاب فيما يصبوا إليه من طموح ، ويمكن لغير القادرين على العمل على سبيل المثال السفر والقراءة والعمل التطوعي وتكوين الصداقات واللقاءات .... 
 إن الفراغ المقنن للراحة والاستجمام نعمة بلا شك   ،لكن الفراغ الدائم الذي يحيل حياة الإنسان إلى فقر وفاقة  وعدم     إنما هو نقمة وعذاب و جحيم لا يطاق  ،   فحياة الفراغ الدائمة مملة وكئيبة  وتشكل ضغطا نفسيا كبيرا  و لهذا الضغط  آثاره المدمرة التي لا يمكن تفاديها  إلا بالعمل  واشغال أوقات الفراغ.

السبت، 22 أغسطس 2020

أبرز تحديات التعليم عن بعد



التعليم عن بعد هو تعليم المستقبل ، لكنه يواجه تحديات كبيرة على المستوى المحلي والعربي. كان قرار وزارة التعليم حماية للطلاب والتلاميذ وللمجتمع بصفة عامة من تأثيرات جائحة كورونا التي أثرت على العالم أجمع ، لذا كان القرار صائبا ومرضيا للكثير وتشكر عليه وزارة التعليم ، إلا أن التعليم عن بعد لايزال يواجه تحديات كبيرة من أهمها :

وجود شريحة من الأسر لا يشملهم الضمان الاجتماعي ،ويصعب عليهم توفير المتطلبات التقنية للتعليم عن بعد من أجهزة واتصال بالانترنت وطابعات الخ ..إضافة إلى تكرارانقطاعات الكهرباء في بعض القرى والهجر النائية لظروف الطقس من أمطار وسيول جارفة وأحيانا لشدة الحرارة وزيادة الأحمال الكهربائية كما أن هناك ضعف أحيانا في ارسال الانترنت وغير قادر على الاتصال المستمر في تلك القرى النائية مما يجعل الطالب وأسرته في انقطاع عن عملية التعلم . أضف إلى أن بعض أولياء الأمور يجد صعوبة في شرح الدروس ومساعدة أبنائه في فهم ما تعثر فهمه و لا يستطيع مواكبة الدروس ومتابعتها والتأكد من إتقان فهم المادة كما ينبغي .

فئات التربية الخاصة والطلاب الذين يعانون صعوبات التعلم و اضطرابات التعلم مثل اضطراب تلقي اللغة وتعلم الأساس اللغوي ،ونقص الانتباه ، والطيف التوحدي ومشاكل الذاكرة وفرط الحركة . هذه أبرز التحديات التي تواجه التعليم عن بعد ، المتعلقة بعملية التعلم وتحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث للخروج بنتائج وتوصيات للتغلب على هذه التحديات وغيرها من الإشكالات المختلفة . هي تجربة جديدة تحتاج إلى مزيد من الصبر والتعاون والمشاركة بين فئات المجتمع

السبت، 20 يونيو 2020

النقاط العمياء


كل إنسان يرى في نفسه شبه  الكمال أو هو قريب منه ، ويرى  كل  ممارساته السلوكية مبررة  ببراهين وحجج معقلنة في وعيه و مقنعة له على الأقل  حين صدورها   وعلى أساسها يصدر ذاك  السلوك..

  السلوك الذي تمارسه قد تراه وحدك  ولا يراه الآخرون، وهناك سلوك تراه ويراه الآخرون، وهناك سلوك لاتراه أنت  ويراه الآخرون وهذا الأخير هو موضع الحديث. 

إنه سلوك  خفي  يعد نقاطا عمياء في كل شخصية . النقاط العمياء في الشخصية هي تلك الممارسات السلوكية  التي يراها الآخرون  و لايراها مصدر  السلوك.

  هذا السلوك الخفي الذي يظهر  للآخرين من زاوية عصية على رؤية صاحبه له.. هي التي تحدد ردات فعل الآخرين  المستغربة أحيانا تجاه هذا السلوك البشرى   الخفي ؛ ولهذا يستغرب مصدر السلوك .. لماذا يعامله الآخرون بهذا الشكل.... والسبب هذه  النقاط العمياء في السلوك

التعرف عليها  ليس بالأمر الهين وقد يعينك على اكتشاف هذه النقاط العمياء  صديق حميم  أو قريب صدوق.


الثلاثاء، 21 أبريل 2020

مايزال هناك أمل

عندما نصغي لبعض المحللين الاقتصاديين في بعض القنوات التلفزيونية تشعر أنك تستمع لمتنبئين بالغيب فيصورون لك كيف سينهار العالم وكيف سيتهاوى بين عشية وضحاها !! وكأن هذا العالم جمع لاعبين بين أيديهم على أرائك الاحتياط ليس لهم من الأمر شيء و لا يقدرون على شيء سوى المشاهدة ، تتألم لهول هذا المشهد التشاؤمي الإعلامي وهذا الجبر التحليلي القطعي ، المطروح عند هؤلاء المتنبئون .

يرى هذا المتنبئ أنه يقدم استشرافا للمستقبل بزعمه والحقيقة أنه ينثر الإحباط والبؤس ويقتل زهرة الأمل ويطفئ شمعته بليل حالك ، متناسيا أن الاستشراف ليس عملية عشوائية تشاؤمية بقدر ماهو منظور مستقبلي وفق دراسات منهجية تنظر إلى المشكلات المتوقعة والحلول المناسبة لها ، قد يشتركان فيها الحدس وبعد النظر ولكن تبقى بشقيها المشكلة والحل محل النظر والتحليل .

إن نشر التوقعات المستقبلية المنذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور والوعيد بالفقر المدقع والجوع العظيم وتهاوي الأمم وسقوط الدول وموت الملايين ، كله ارسال للكلام على عواهنه ويجانبه الصواب من جانبين :

أولهما: إلغاء قدرة الله على تسيير هذا الكون وأنه المدبر المتصرف فيه ، وتدخل في مسارات متغيرة ومتقلبة بحسب ظروف من طبيعتها التغير المستمر فلا تستطيع الإحاطة بكل عواملها وأسبابها المختلفة وكيف يمكن أن تتغير الأمور وتتبدل بسرعة مذهلة ، وكورونا مثال على ذلك .

الأمر الثاني : بعد مشيئة الله تلغي تلك التنبؤات قدرة البشر على الفعل والتغيير والاختيار والاسهام في حل المشكلات وتجاوز العقبات فمثل هذه التنبؤات القاتلة للفعل والأمل دون النظر إلى الحلول الممكنة ومناقشة المشاكل من جميع جوانبها تصور للبشرية أنه لاقدرة لها على الحل ومجابهة تلك المشكلات ،والاستسلام للمصير التنبؤي الجبري المحتوم سلفا وانتظار ذلك اليوم دون بذل جهد أو اسهام في تغيير الوضع .

إن الخوف من المستقبل الذي تبثه وسائل الإعلام والتحليلات والتنبؤات التي لاتسمن ولاتغني من جوع كلها تؤثر في المشاهد المتابع لهذه النشرات التي تتسابق على استقطابه ، وهي تتحدث عن مستقبل أرزاق البشرية (اقتصاد الدول ). ومع أهمية الجانب العلمي في التحليلات إلا أنها لا تتحدث عن كل الحقيقة . فنشرات الاخبار الاقتصادية والتحليلات هي جزءبسيط من المشهد وليست كل المشهد ، وهي تخمين لأمور قد تصيب وقد لا تصيب وفي الغالب أنها لا تصيب في كل تفاصيلها .

و مع شدة الأزمة التي يمر بها العالم يبقى المسلم مؤمنا بقضاء الله وقدره مطمئن إلى أن رزقه مقسوم ومكفول بوعد الله له. يقول تعالى ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات وقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر 3]ووعد الله سبحانه ( إن مع العسر يسرا )

فقضية الرزق محسومة لا يخاف ولا يشقى بها الإنسان . إنما يشقيه هذا التهويل الإعلامي العالمي والتحليل الاقتصادي القاصر في النظر إلى جزء من الصورة ، هذا الجزء الذي يورث الخوف والهلع وهو لايملك من الأمر شيئا . ونحن بحمد الله ننعم بخير وفير، وقيادة فاعلة وقادرة بإذن الله بتعاون الجميع والالتزام بالتوجيهات على تجاوز الأزمة ويبقى الأمر كله بيد الله وحده وهو القائل سبحانه ( و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا)

السبت، 18 أبريل 2020

شخصية لم تخبرك عنها المدرسة

تعد التجارب الإنسانية موردا خصبا للأبحاث السلوكية ، لأن سلوك الإنسان متنوع تنوعا لايمكن حصره رغم كل التقدم الحاصل في العلوم النفسية والسلوكية ، ولهذا فحكايات التجارب الإنسانية عن السلوك المضطرب ، قد تكون عونا في كشف أنواع مستجدة من الاضطراب النفسي السلوكي ، في مجتمع لا يخلو من المعاناة النفسية .
الحياة معمل كبير وجامعة عامة تعرفك بشخصيات لم تخبرك عنها المدرسة ، ولا الجامعة بكل مكوناتها ، تعرفها من خلال المواقف والتجارب المباشرة مع الآخرين ؛ لأن سور الدراسة النظري يكاد يعزلك عن واقع الحياة الحقيقي ، ذلك الواقع الذي يتأرجح بين السعادة والتعاسة ، والغنى والفقر، والحب والكراهية ، هذا لا يعني أن المجتمع كتلة من الشرور ، ولا هو أيضا نهر من الخير ، ففيه صفات ملائكية وأخرى شيطانية .
المؤلم أن تقع فريسة لشخصية شيطانية سامة وأنت لا تدرك الأبعاد النفسية لتلك الأنواع من الشخصيات المضطربة السامة ، إنه نوع من الشخصيات التي يصعب تأطير اضطرابها و اكتشاف خداعها ، و طويتها تجاه الآخرين ، لأنها متلونة حسب الموقف ، ومن الصعب أن تدرك ماذا تضمر لك أو للآخرين من حولك أو للمجتمع من خير أو شر ؟

هناك سمات تضيئ بعض ملامح هذا النوع من الشخصيات السامة منها على سبيل المثال لا الحصر : التلذذ بشتم الآخرين في غيابهم ووصمهم بأشد الصفات قسوة وبذاءة بلا مبرر ، لكنها في حضورهم تبتسم لهم وترحب بهم و تمدحهم بأجمل الصفات وتخلع عليهم أجمل الألقاب وكأنه ولي حميم ، دون حياء أو مواربة ، هذه الشخصية المتأرجحة في مشاعرها تجاه الآخرين ، وهذا النوع المتلون بشدة متعدد الوجوه ، كذوب وقد يكون خدوما بدرجة غير معتادة ..لكن بصفة انتقائية وفق معايير غير أخلاقية ، وفي الوقت نفسه يضمر الكراهية بشكل حاد .
هذه الشخصية محبة للسيطرة كنوع من النرجسية المعجونة بالعنجهية ، لكنها سيطرة بشكل ناعم من خلال معسول الكلام ، والتظاهر بالإخلاص المزيف ، والخدمة الانتقائية كل ذلك للتطويق و السيطرة ، و حين يشعر بفقد هذه السيطرة يتحول إلى عدو خفي شرس ؛ فينفث السم من أنيابه الذي يطال عرض كل فاضل و فاضلة ، لا يتورع عن هتك المستور ، دون أن يتبين لما يلقيه جزافا من تهم ، المهم أن يلطخ سمعة النافذ عن سيطرته بكل ما أوتي من قوة وبشاعة ونذالة ، إنها شخصية ناقمة ،وناقدة بشكل فج .
هذه الشخصية حقودة على الصداقات لذلك تلمزها بأقسى العبارات ، وترميها بأقذع التهم ، يؤلمها مرأى الأصدقاء ،وتشعر بالغصة من أي اتفاق أو اجتماع إنساني ، لهذا يحاول التفريق بينهم بما يستطيع ، بالتحريش تارة ، وتلطيخ السمعة تارة أخرى ، واتهام الأعراض مرات وهكذا دواليك ، حتى يهدم جدار الود بينهم ، ويسقي شجرة الشقاق ؛ فإن نجح عامل كل شخص منهم على حدة و كأنه صديق حميم ، وهي شخصية تجيد ، التنكر ولبس الأقنعة والنفاذ داخل التجمعات بقوة ناعمة ؛ ولهذا من الصعب جدا اكتشاف الاعيبه ومكره .

الحديث عن هذه الشخصية المضطربة مؤلم ومقزز لكنه ضروري لبيان خطره . وهي موجودة في كل المجتمعات تقريبا ، تتناقص أعداد هذه الشخصية السامة في المجتمعات التي ينتشر فيها العلم ويرتقى فيها مستوى التعليم ويزداد أعداد المتعلمين ، وتتكاثر مع تفشي الجهل ، وتصدر الجهالة ، ونقص المتعلمين ، فالجهل عدو المجتمعات . هذه الشخصية المضطربة السامة شخصية لم تخبرك عنها المدرسة ، وإنما تكشفها لك التجربة الإنسانية في جامعة الحياة العامة . ولهذا يكفي للتعامل معها رد السلام 

الواجب .


http://www.watannews-sa.com/articles/23855/

السبت، 11 أبريل 2020

أسئلة مابعد التاريخ

يبدو أن فايروس كورونا لم يأت بخرائط جينية مستقلة فحسب بل حمل معه خرائط التسلل إلى مفاهيم نسبية متغيرة ومتبدلة فهو يحاول اختراقها والتأثير فيها . مفاهيم حول المال والقوة والعالم الأول .

كورونا منذ بدايته وهو يحاول أن يخترق المفاهيم النسبية للمال فمهوم المال نسبي يعود إلى الاتفاق على عملة صالحة للتداول وتبادل المنافع وتسهيل حركة البيع والشراء وتقييم الأعمال ، وهي بالاتفاق يمكن أن تتغير وتتبدل من حين لآخر ولذلك فمفهوم المال مفهوم نسبي توافقي بحسب مقومات الثروة المختلفة ، من معادن أو حبوب غذائية أو ثروة حيوانية كانت سابقا وماتزال عملة التداول في بعض القرى الأفريقية فهل تجعل كورونا الترياق الطبي واللقاحات مثلا .. عملة صالحة للتداول وتتحول إلى مخزون عملة عالمي ...

مفهوم القوة مفهوم نسبي مختلف حوله .. فماذا نعني بالقوة في زمن سريع التغير ، هل هي قوة المصارف والأوراق المالية ؟ أو قوة المعادن والثروات النفطية ، أو قوة السلاح والجيوش ، أو قوة التقنية والإعلام ، أو قوة الاقتصاد والإدارة ، أو قوة النظام الصحي والغذائي ، وبرغم أهمية كل ذلك اختار كورونا خطام النظام الصحي والأمن الغذائي وقفز بهما للمقدمة ...فهل سيظلان في المقدمة وإلى أي أمد سيتصدران المشهد العالمي ...؟

اخترق كورونا مفهوم تقدم العالم الأول ومفهوم حقوق الإنسان برغم ما كنا نرى ونسمع عن دول تفتخر بذلك ولها حق قصب السبق بلا شك ، إلا أنها تراجعت هذه الحقوق في أول اختبار حقيقي وصادق . لم يعد الإنسان في رأس هرم الاهتمام وسقطت ورقة التوت المعلقة والتي كانت تلوح دائما في أي خلاف مع الآخر ، ربما هناك مبررات مقنعة لكن الشعارات التي تسقط في المحن تظل مجرد شعارات لا تتناسب مع الحقيقة المكتوبة ولا مع المعطيات على أرض الواقع في التعاطي مع الأزمات ، ويشهد على سقوطها العالم أجمع .

لاشك أن العالم يمر بأعظم أزمة مركبة في التاريخ الحديث ، سببت اضطرابا وارتباكا عالميا لامثيل له وطرحت هذه الأزمة العديد من التساؤلات حول هذا النظام العالمي العولمي هل سيستمر بنفس وتيرة ما قبل التاريخ 2020 أم سيتغير ؟ هل سيظل العالم الأول كما هو ، أو أن دولا ستصعد إلى تلك المنصة بينما ستهبط أخرى ؟

ماهي الأوليات في المشاريع الدولية المعولمة مستقبلا ؟ إلى أين سيتجه مستقبل العلوم والبحث العلمي ؟..أسئلة كثيرة حول مستقبل الاقتصاد والعملات تطرح لمستقبل ما بعد التاريخ 2020هذا التاريخ الذي سيظل محفورا في ذاكرة الأجيال

الأربعاء، 8 أبريل 2020

ليالي أديس..


منذ أن دفعني أخي أحمد لزيارة هذه المدينة أديس أبابا دفعا ..اتخذتها مصيفا ومنتزها سنويا ..أديس أبابا ليست عاصمة فقط إنها حاضنة لكل الأمم والشعوب والأديان والألوان واللغات والأفكار ، في ود وسلم اجتماعي نادر . ، اختارها المطر وعانقها السحاب وغطاها الشتاء في وقت يتلظى الناس فيه جمرا .

تعانق القادمين بترحاب وابتسامة آسرة . في كل عام التقي بشخصية لها حضورها الفكري من مواطن شتى ، من مختلف الجنسيات ، في أمسيات أدبية وفكرية وفنية أحيانا ... أمسيات هذا العام كان متحدثها صديقا وجارا أديسيا ودودا ، واعتذر عن ذكر اسمه حفاظا على خصوصيته ، كان مختلفا ، فكرا وطيبة ،وكرما ، هو رجل له مكانته واسهامه في العديد من المؤسسات .

في إحدى الأمسيات ، تحدث إلينا حديث الصديق الصادق المحب عن رؤية المملكة وتعزيز دورها الريادي وأثنى كثيرا على الأمير محمد بن سلمان واعتبره أحد القادة المجددين ، كان حديثه شائقا ومقنعا ومفيدا . كانت شبه محاضرة لكنها من طراز أخوي بين أصدقاء ومحبين ، لم أجد في حديثه تكلفا ، كان يتحدث بصدق مبشرا بمستقبل واعد وزاهر لبلادنا .

الأمسيات في أديس أبابا كانت عفوية وزيارات ودية في  مدينة هادئة ووادعة ، ولكن لايعني هذا أن المدينة خالية من المشكلات ، فهي بلد افريقي يصعد على سلم الازدهار ، ويختلف الناس في تقييم المدينة والنظر إليها ، فكل ينظر إليها من زاويته . لكن المتفق عليه أنها مدينة الحرية والمطر  والسلام ،  وزهرة الشرق الناشئة . الماطرة بالود ، الهاطلة  بالحرية ،  الباردة بالابتسامة  والبساطة والعفوية ، هذه الأمسيات العميقة والثرية قليلة لكنها مؤثرة وجميلة  وعميقة في الذاكرة


 نشر في صحيفة المجاردة اليوم بتاريخ 28/7/2019

السبت، 4 أبريل 2020

الجائزة الكبرى


في كتابه الشهير " دع القلق وابدأ الحياة " يذكر مؤلف الكتاب الأمريكي الأصل  دايل كارنيجي قصة عن عائلته فيقول : 
كان والدي فقيرا جدا ووالدتي أيضا حتى أنها كانت تخيط ثيابي بيدها ولم استطع لبس الجوارب فقد كانت شي من الرفاهية لأن النقود كانت شحيحة للغاية إلى درجة أننا نتبادل السلع بالسلع البيض بالزبدة والسكر بالدقيق ، كتبادلات بدلا من النقود ، فالأوضاع الاقتصادية كانت صعبة للغاية . كان والدي يعمل أكثر من 16 ساعة وكذلك والدتي ومع ذلك كانت أعمالهم كأنها تذهب سدى ، فتكت الكوليرا بالناس وبالماشية ، وفي سنة رحمنا الله وتحسن الحال قليلا فأخذنا مواشينا التي ربيناها خلال عام كامل إلى سوق الماشية في شيكاغو لكننا فوجئنا بالكساد الكبير في سوق الماشية ولم نجن من  بيع ماشيتنا  سوى ثلاثين دولارا ، كانت ثمرة عام كامل ، 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد اضطررنا إلى رهن مزرعتنا الصغيرة بعد أن أثقلت الديون كواهلنا ، وهددنا صاحب الرهن  بطردنا من مزرعتنا الصغيرة وهي مصدر رزقنا الوحيد ، أنتاب والدي الحزن و القلق الشديد ، حتى مرض وساءت حالته  وفي أحد الأيام خرج والدي متهاديا إلى مزرعته في حالة يرثى لها ، وتأخرت  عودته ، فخرجت أمي للبحث عنه فوجدته على حافة جسر النهر يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وكأنه يراود نفسه في التخلص منها وإلقاء نفسه في النهر ، هربا من شدة الهموم التي أثقلت كاهله وأقضت مضجعه ، لكن والدتي جاءت في الوقت المناسب وأخذت بيده ونظرت في عينيه فإذا هي تفيض  بماء الألم . هدأت من روعه وذكرته بأن الحياة ليست عسر دائم وأن مفاتيح الفرج بيد الله ...

عاد والدي مع والدتي إلى البيت كان عمره آنذاك أثنان واربعون عاما .. وما لبثت الأيام  أن تبدلت ولبست ثياب اليسر  وتحسن وضع الاقتصاد وانتعشت الأسواق مجددا وعادت الحياة إلى والدي وعاش بعد ذاك الموقف العصيب  41 سنة أخرى في بحبوحة من العيش . 

في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة رؤية واضحة للموقف من الأزمات والكوارث وفيها توجيه وحث مستمر  على الصبر وعدم القنوط وانتظار الفرج مع العمل الدؤوب والدائم للعمل بالأسباب ، بل يعد الله بالجائزة الكبرى للصابرين ممن فقدوا عزيزا أو مالا أو متاعا أو ابتلوا بشي من الابتلاءات ، تلك الجائزة العظيمة من نصيب الصابرين 

قال صاحب الكشاف : عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال ( ينصب الله الموازين يوم القيامة، فيؤتى أهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صباً " " قال الله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض لما به أهل البلاء من الفضل ) هذا الجزاء العظيم في الآخرة وفي الدنيا يثمر الصبر نجاحا وتوفيقا وتجاوزا لكل المصاعب والعقبات  .

الاثنين، 30 مارس 2020

الانكسار








كلنا مررنا بتجارب... ومن خلال تجاربنا  ..تمر بنا أوقات عصيبة وصعبة وأوقات انكسار مؤلمة أحيانا  ، نلتمس فيها عونا وسندا ونحتاج إلى من يجبر كسرنا حتى لو بالكلمة الحانية  والتعاطف الإنساني... قد نجرؤ على البوح  ، وأحيانا  نأنف منه لأنه قد يعري ضعفنا أو ضعف من حولنا  ، والأهم من هذا أن نعثر  حولنا على  من يقيل عثرتنا وينتشلنا من كبوتنا  ، ليس شرطا أن يكون ممن حولنا فبعض منهم قد يشمت بنا ويسخر ، ومنهم من يتركنا وشأننا،  ومنهم  من يجعلنا أضحوكة للآخرين ويشي بنا في كل مجلس ، و ليسوا  سواء ، هذه طبائع الناس موشومة بفوارق الاختلاف
والناس تقتات الأحاديث كما تقتات الخبز  ..ولا لوم .
لكن الحياة ليست بهذا الظلام هناك قناديل  من البشر تضيئ وقت العتمة  وهم كنوز من القيم والنبل من وجد جوهرا  ولم يلزمه فقد ثمينا في سوق تردت فيه الأثمان ، هؤلاء الذين يمسحون دمعة اليتيم  ويحضون على طعام المسكين في يوم ذي مسغبة وقد تو اصوا  بالصبر والمرحمة ، هؤلاء الذين  يقفون مع المنكسرين من الرجال والنساء  فيظهرون في الأزمات وفي أوقات الانكسار  كالأعلام  بالتضحية والعطاء والتطوع ،   والعون والوقوف كالجبال مهما كانت الريح عاتية  لجبر خواطر المنكسرين  . هؤلاء هم النبلاء الكرماء العظماء  حقا . 


الجمعة، 27 مارس 2020

إمساك بمعروف ..





مشاهد تصور ابتهاج أحد الأزواج بفراق زوجته والبعد عنها من باب السخرية والتندر ، وأخرى تتضجر من بقاء زوجها في البيت وتتمنى ساعة فراقه ، وآخر يتمنى وفاة زوجته وغيابها للأبد ، ورسومات وطرائف ونكت ساخرة ، ومهينة أحيانا للحياة الزوجية بركنيها الزوج والزوجة .  إنها نوع من التشهير الساخر والإساءة لمفهوم  الأسرة .

الشرائع السماوية تحث وتبارك الرباط المقدس بين الزوجين الذكر والأنثى ،والإسلام أكد على هذا البناء العظيم ، الذي يحفظ بقاء النوع البشري في أسمى درجات الطهر والنقاء متجنبا  كل الاختلالات الاجتماعية التي ترافق علاقة الجنسين وفق رؤى  وأطر بعيدة عن طريق التشريع السماوي والتي تنتهي بهدم الأسرة في معناها الأخلاقي وفناء النوع البشري .

وصف القرآن هذه العلاقة بالميثاق الغليظ حفاظا على البنية الأساسية في تكوين المجتمع الإنساني . وبالتالي فإن صلاح هذا البناء وتماسكه هو صلاح للمجتمع وفساده وتهدمه هو هدم للمجتمع ؛ لإن الأسرة هي المحضن الأول والمدرسة الأولى في حياة الإنسان وهي الموجه للسلوك وللبناء التربوي والأخلاقي للأبناء وفيها تغرس القيم ، ولذلك يجب أن يصان هذا الرباط المقدس وتصان أركانه  عن دنايا السخرية والتشهير والتجريح المتعمد المستمر .

السخرية الممتدة من ركني الأسرة قد تمتد إلى الشباب المقبل على الزواج فيثمر هذا التوالي المستمر إلى عزوف طويل وصدود مرده الوجل من بناء الأسرة نتيجة الصورة الذهنية التي مارستها السخرية على هذا البناء العظيم، فترسم في العقل الباطن صورة مشوهة ومضطربة ومتوترة، عن العلاقات الزوجية صورة يظهر  ركنا الأسرة متربصان ببعضهما بعضا. رسائل مؤلمة نفسيا ومشوهة لصورة المجتمع بشكل عام تر سل على شكل قوالب متعددة منها النكتة والمشهد التمثيلي والرسم الساخر، وكل هذه الرسائل ليست محايدة في مضامينها فلها تأثير مباشر وغير مباشر على السلوك. ومهما قيل من تفسيرات نفسية أو اجتماعية حول ظهور مثل الرسائل فإنها تعد إساءة مبرمجة في قالب كوميدي مظلم .



الأسرة وفق المنظور الإسلامي  هي الزواج على الأسس الشرعية  بين الذكر والأنثى  و هما عماد البناء فيها  ، ويؤسس هذا البناء  على المودة والرحمة والمحبة والفضل والستر  والإمساك بالمعروف ، وليس على التهكم الساقط ، والتندر من أحد أركانها وركائزها  من أجل السخرية فحسب التي تتجاوز حدود الأدب واللياقة والوفاء والمروءة والخلق النبيل .  لأن الأسرة ومكوناتها علاقة شرعية مصانة برباط مقدس ، وميثاق غليظ لا يحق للعابثين العبث  به .

السبت، 21 مارس 2020

على هامش الأزمة






إذا أردنا النهضة الحقيقية والعزة والمنعة والقوة والمكانة بين الأمم ، علينا بالعلم والعناية الفائقة بالعلماء وأقصد علماء  العلوم الطبيعية والبحث التجريبي والعلوم الإنسانية ، والعناية المركزة بمراكز البحث ومعامل التجريب والدراسات الإنسانية  ، العناية بالعلم والعلماء من الخطوات الأولى  من بداية بذرة التعليم في الصغر في مراحله الأولية إلى المرحلة الجامعية .

مهما بكينا أو تباكينا ونحن لم نسهم في ركب الحضارة أو نقدم أبحاثا عالمية أو نسهم باستشراف المشاكل المحتملة من خلال البحث والتطوير  سننتظر ما يفعله الآخرون ،   وما يحدث في الآخرين ثم نتعامل مع المشكلة وفق معطيات مختلفة ، وهذا يكلفنا الكثير  مقارنة باستشراف المشكلات قبل وقوعها ، نحمد الله أننا مررنا بهذه الأزمة تحت قيادة فعالة  استحقت الإشادة من الجميع ، ولكننا سنظل في حاجة لاستشراف حجم المشكلات قبل وقوعها   من خلال مراكز أبحاث عالمية نملكها وتكون مرجعا  للعالم .

لنا في كثير من الدول المتضررة عبرة واضحة لأنهم   كما يبدو لم يقدروا احجم المشكلة كما ينبغي  وأسباب أخرى متعلقة  ربما باحتكار النظام الصحي وخصخصته ،  ولم يتوقعوا  هذا الدمار الهائل الذي أحدثه هذا الوباء في الإنسان  ، الدراسات والأبحاث الاستشرافية تدرء المخاطر بحول الله ، وتعين  على الاستعداد المبكر لدرء تداعيات  الكوارث والأزمات  .  ستثمر الجهود إن شاء الله بتكاتف الجميع ، ورب ضارة نافعة لتعين  للإعداد لمستقبل مشرق بإذن الله .

الجمعة، 13 مارس 2020

المواجهة المستعرة ..




 
منذ بداية أزمة وباء كورونا وانتشاره حول العالم اختلفت  الدول في تقييم مستوى مخاطر هذه الأزمة وبالتالي كان  تعاطيها لملف  الأزمة مختلفا وتأرجح بعض منها بين القبول بها كواقع يجب التعامل معه وبين الرفض  لها وتباينت التحليلات السياسية والطبية  والدينية وكل أدلى بدلوه . ارتبك العالم حين شعر بالخطر  وبدأ يأخذ تصريحات منظمة الصحة العالمية على محمل الجد حين وصفت هذا الوباء بالجائحة العالمية وقد يصل لمستوى الكارثة  لكن بعد أن وقع الفأس في الرأس في بعض الدول ، وهاجم الوباء تلك الدول دون هوادة  وحصد منها الآلاف .وبحسب منظمة الصحة العالمية: فإن أوروبا هي "البؤرة الجديدة" لوباء كوفيد-19 العالمي. ( كورونا )

منذ أكثر من مائة عام لم يجتاح العالم وباء بهذه السرعة وهذه الكثافة والانتشار .  اليوم وصل الخطر إلى أكثر من 125 بلدا حول العالم  وربما قد يتجاوز هذا الرقم ومازال الوباء  يطوف بالبلدان ويحصد الضحايا ، والمصابين  ويخلف خسائر بمئات المليارات  ولم يقف عند هذا الحد بل أسهم في  غلق منافذ الدول ومازال يوقف حركة السفر ، والتنقل والتجمع حول العالم وعزل مدنا ودولا ، وهو أمر أشبه ما يكون بحرب عالمية .

المملكة العربية السعودية من البلدان القليلة التي استشرفت خطورة الأمر  وبادرت بإجراءات استباقية  احترازية  جريئة من وقت مبكر ، وكان لقراراتها الشجاعة  أثر بالغ  في صد  انتشار الوباء وتخفيض نسبة الإصابة إلى الحد الأدنى .

هذه الكارثة  لها جوانب متعددة منها  الجانب السياسي وقد تفضلت القيادة السياسية مشكورة بكل ما يلزم لمواجهة هذا الوباء العالمي فأمرت باتخاذ كافة التدابير اللازمة وسخرت كل الإمكانات المادية والبشرية ،  ولها أيضا جانب إداري على مستوى الوزارات  وكان الأداء والتنسيق  من مركز الطوارئ والأزمات  أكثر من رائع  وتعاملت  وزارة الصحة مع ملف الأزمة بكل مهارة وكفاءة وفاعلية ، و يواجه  أبطالها في الميدان هذه العدو الشرس ،  حماية للناس و دفعا لتداعيات تطوره . مستلهمين واجبهم الديني والوطني والأخلاقي .

أما واجبنا  كمواطنين ومقيمين  فيتمثل في التعاون مع توجيهات قيادة البلاد في الالتزام التام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من جهات الاختصاص ، وأخذ المعلومة من مصادرها والبعد عن ترويج الشائعات ، والتحلي بالصبر و التضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يرفع البلاء ويجلو الغمة  ، واخذ جانب الحذر فلايزال العمل قائم على قدم وساق ولازالت الحرب مستعرة والمواجهة على أشدها مع هذا الوباء في الداخل وعلى مستوى العالم  .



السبت، 7 مارس 2020

التسامي عن الصغائر



كثير من المواقف ومشكلات العلاقات الاجتماعية التي نمر بها ، تتضخم لأننا نضخمها بإرادتنا ونعطيها أكثر من حجمها الطبيعي مع أنها في أكثر الأحيان أمور في غاية البساطة ولو  ( هوناها لهانت )  ، مواقف قد تصدر منا أو من آخرين بعفوية تامة لكنها قد تأكل وتشرب وتنام مع متلقيها وفي مخيلته تعمد الإساءة أو التعامل بدونية ، وقلة احترام . مع أن الأمر قد يكون بعيدا عن هذا كله .

منطق تضخيم الصغائر يفترض في  الناس أنهم  لا يخطئون ولا يجب أن يخطئوا أبدا ، وهذا بالتأكيد ضد طبيعة البشر ، فالتماس الكمال على طول الخط مقلق للسكينة ومهدد للطمأنينة ، ويجعلنا نركز  العدسة على أخطاء الآخرين ونكبر صور هذه الأخطاء باستمرار ونجعل اخطاءنا في الظل ، هذا التركيز يصنع علاقات متوترة يظللها سحب من الشك وسوء الظن والاتهام عند كل تصرف لا يروق لنا .

كثير من مواقف الخلاف بين الزوجين وخلاف  الأصدقاء وزملاء المهنة والعمل وحتى الخلافات  الأسرية تبدأ ببذرة  خلاف صغيرة ثم ما تلبث أن تكبر حتى  نسقيها بنزاعاتنا ونرويها بسوء الظن فتغدو شجرة ضخمة من الصعب اجتثاثها . إن تطويق نبتة الخلاف منذ نشأتها واستئصالها من بواكير ظهورها بالتسامي والتغاضي وغض الطرف وحسن الظن يبقي زهور الود عطرة  ،  ويسقي حديقة التواصل والتواد والتعاطف والتراحم .

اصبحنا نسمع قادة تربويون ومربون فضلاء يتشابكون بالأيدي أليس هذا غريبا ..! وأزواج لم يمض على زواجهم سويعات معدودة  حتى ختمت حياتهم  بالطلاق  ، وشقاق أسري وإخوة وأصدقاء يتنكرون لبعضهم من أجل جملة عابرة ، أو موقف غاضب  عابر ، وهي خلافات في مجملها بدأت بنقاط صغيرة كان يمكن احتوائها والصبر عليها قبل أن تتحول إلى شجرة مشكلات معقدة عصية على الحل .

و نسمع ونرى خصاما على أشياء في غاية التفاهة إما على موقف سيارة أو عدم رد على مكالمة جوال أو رسالة واتس اب  أو تعليق في قروب أو مشاركة أو عدم مشاركة إلى مالا نهاية ..من تلك الصغائر التي تصنع الضغائن ويمكن العبور فوقها وتجاوزها دون نسج الخيالات والظنون والشكوك والأوهام الفارغة حولها .

الحل أن نكبر ادمغتنا ونسمو عن هذه الصغائر والترهات والمحاسبة على الحبة ، فالتنازل وغض الطرف والتماس الأعذار من شيم الكرام وكما قال المتنبي : وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها  *  وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

لست مع الرأي القائل " لا تهتم لصغائر الأمور فكل الأمور صغائر " بل هناك مشكلات صعبة ومعقدة ولكن أقول : التسامي عن الصغائر في العلاقات هو  سلوك العقلاء ؛ لذا لا تهتم لصغائر الأمور فأكثر مشكلات العلاقات صغائر  يمكن الصبر عليها وتلافيها .

الاثنين، 2 مارس 2020

درس من كورونا


الحديث عن كورونا والخدمات الصحية العامة مثار حديث المجتمع العالمي ، ولاشك أن مقياس تطور كل مجتمع لابد أن  يشمل مدى تطور خدماته الصحية وسلامة مواطنيه وقدرة النظام الصحي المحلي على مواجهة الكوارث الصحية والأوبئة واسهامه في البناء الصحي العالمي

. في بلادنا نظام صحي جيد ، إلا أنه بحاجة إلى مزيد من الدعم المتواصل خاصة في المحافظات والقرى البعيدة عن المركز  . حيث يسافر أكثر الناس إلى المدن الرئيسية بحثا عن العلاج و هذا  يسبب ضغطا هائلا على المشافي العامة في المدن الكبرى ، ويزيد فترة الانتظار بشكل طويل وممل ومؤلم أحيانا على إنسان مريض يصارع الألم ، مما يضطره إلى التحول إلى المشافي الخاصة وهي مشافي تكلف الأموال الطائلة  والتي تُعجز في أحيان كثيرة ذوي الدخل المحدود ومتوسطي الدخل . ولك أن تتصور أن بعض الأطباء رفع أجرة الكشف فقط إلى 1000 الف ريال لمجرد النظر في شكوى المريض ناهيك عن الاشعة والتحاليل  الخ ..من تلك المنظومة الطويلة  .

هذه المشافي الخاصة تتسابق في تحقيق الأرباح على حساب المرضى والمضطرين للعلاج ولهذا لا نستغرب أن  يحقق أصحاب هذه المشافي الخاصة المليارات .  هناك شريحة من الناس يتقون غلوائهم  بالتأمين ولكن هناك شريحة أخرى واسعة يقعون فريسة لهذا التسابق المحموم للثراء دون نظر لأي جوانب أخرى، 
 هذا التسابق  في الأوضاع العادية ، فما بالك بحالات الكوارث وعواصف الأوبئة التي تجتاح العالم من حين إلى آخر ، كفانا الله وإياكم شرها . 

لوزارة الصحة  جهود مشكورة خاصة في الإجراءات الاحترازية التي تتخذها لصد عدوى هذا الوباء  الذي يجتاح العالم اليوم  و هناك درسا مستفادا  من هذه الجائحة ، يرسل لنا تساؤلا  عن مدى قدرة المشافي العامة في المحافظات  والقرى النائية  على المواجهة . 

هناك حاجة كبيرة لدعم المحافظات بمشاف متطورة، وكليات طب ومراكز أبحاث  للأمراض والأوبئة المستوطنة والمهاجرة تكون على مستوى عال  ،  في كل نواحي المملكة كي تغني عن السفر   وتتكامل مع بقية المنظومة الصحية  في خدمة بلادنا  وتسهم أيضا في البحث العلمي لخدمة الإنسانية  ،  في مثل هذه الحالات الوبائية . لدينا نظام صحي جيد ولكننا نرنو دائما إلى  الأمل الأفضل والأكمل لمواجهة الاحتياج المتزايد للخدمات الصحية و عواصف الأوبئة وأخطارها  فنقذ أنفسنا ونسهم في انقاذ البشرية  .

السبت، 22 فبراير 2020

الهوس ..ألم الاعجاب





يعد  الهوس أحد أعراض اضطرابات الشخصية ، وهو حالة من المبالغة الشديدة في التعبير أو التعلق بالأشياء والنظر إليها ،وتختلف  شدته بين الخفيف والمتوسط والشديد ،  و يرتبط الهوس  بحالات اكتئاب واضطرابات  أخرى ، وقد يكون معزولا عنها ،  وفي الحالتين يدل على  اضطراب وخلل في سمات شخصية  المصاب  الذي لا يعي بحالته المرضية ففي الوقت الذي يرى نفسه يتصرف بطريقة عادية وطبيعية   يراه الآخرون يتصرف بطريقة غير طبيعية   . وبالمثال يتضح المقال  : 

1- هوس الشهرة : يميل الإنسان بطبعه للثناء والذكر الحسن وهذا أمر طبيعي و محمود في مجمله ، لكن الأمر حين يكون ولعا شديد مبالغا فيه إلى درجة أن بعض هؤلاء  المولعين بالشهرة في المجتمعات العربية والإسلامية  يخرج عن أطر الأخلاق والآداب العامة ويتعدى على المقدسات وعلى أعراف المجتمع الفاضلة - من أجل الشهرة وحب الظهور ولفت الانتباه بأي طريق وبأي شكل كان دون مراعاة لتلك الأطر العامة .هنا يتحول إلى حالة مرضية .

هذا الهوس قد تعود أسبابه إلى عوامل مختلفة من بينها حاجة ماسة  لتقدير الذات وطلب المكانة ، استجداء الثناء والاعجاب ، طلب زيادة المتابعين للحصول على المال بأي طريق وبأي ثمن . يرتبط  هوس الشهرة بالعديد من الاضطرابات كالاكتئاب ، فرط الحركة وتشتت الانتباه ، جنون العظمة ، والوساوس القهرية ، والاضطراب ثنائي القطب وذلك للضغوط النفسية التي التي يتعرض لها المصابون بهذا الهوس طوال الوقت ، والتي تستدعي الظهور الدائم للجمهور بمظهر  ، يخالف حقيقة واقعهم وما هم عليه في حقيقة الأمر ، ناهيك عن بعض المخالفات القانونية والنظامية  التي يقترفونها  نتيجة تلك الضغوط تلبية لتلك الرغبة الملحة والجامحة في الظهور .

2- الهوس بالمشاهير ..وهو تعلق مرضي يعده الاخصائيون من ضمن الطيف الوسواسي  الذي يصور المشهور بأنه إنسان خارق للعادة ؛  ولهذا فهو دائم الحديث عنه ومستمر في متابعتة ومعرفة أخباره وتفاصيل حياته الشخصية  ، وينتظر اللحظة التي يراه فيها على أرض الواقع بفارغ الصبر . 
يفسر  بعض الباحثين سبب متلازمة الهوس بالمشاهير  بأنها هروبا من واقع إلى صورة مثال متخيل للنجاح ، وهو نوع من التخيلات والأوهام الو سواسية ؛   ولهذا لا تستغرب حالة البكاء والهيجان عند رؤية المشهور من أولئك المصابين بالهوس . وفي بعض الحالات قد يعرض المصاب  نفسه  أو من يعجب به للخطر فقد يحاول المصاب  الانتحار عندما يتجاهله من تعلق به ،  أو قد يحاول إيذاء المشهور حين يتجاهله  ، ولهذا قد تجد تفسيرا لحالات التعدي والتجاوز على المشاهير في المسارح ومنصات الاحتفال من مصابين بهذا الاضطراب ، وقد سمي  هذا الاضطراب " باسم متلازمة عبادة المشاهير . 

الأسباب والأعراض : تختلف  أسباب الهوس   بين   وراثية جينية ،  و مكتسبة  ، وتختلف الأعراض  من شعور عارض بالسعادة ، وقلة ساعات النوم وانفعال شديد وسرعة في الغضب ، مع سلوك اندفاعي وفرط في الحركة والطاقة مع تشتت التركيز وأوهام بالعظمة ، أيضا يتسم مصاب الهوس بأفكار متسارعة وتصورات خاطئة مع ثرثرة وكلام متناثر وسريع  مع حب الاستمرار في الحديث دون انقطاع ، وافراط في تفسير الوقائع واشارات باليدين غير منتظمة .. يصل في تنوعه إلى أكثر من 50 نوعا من أنواع الهوس  ..ويخرج الإنسان من تصرفاته المعتادة  . وهو حالة مرضية تستدعي العلاج  .

الأحد، 16 فبراير 2020

الوباء النفسي الخفي

في عام 2018 قررت الحكومة البريطانية تعيين الوزيرة " Tracey Crouch" تريسي كراوتش لمكافحة آثار الوحدة والعزلة الاجتماعية ،كان ذلك بناء على مبادرة من لجنة كوكس وهي الجهات المستقلة التي تكونت بمشاركة عدد من نواب البرلمان البريطاني و 13 من الجمعيات الأهلية والخيرية المهتمة بمكافحة خطر الوحدة والعزلة الاجتماعية . فهل يعد هذا الأمر وباء وخطرا قاتلا يستدعي كل هذا الاهتمام ؟
فبحسب باحثين تعد الوحدة والعزلة الاجتماعية أشد خطرا من التدخين والسمنة وتتسبب في أمراض القلب والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وضعف المناعة والأمراض السرطانية وتزيد نسبة الوفاة ب30% ، وهذا ما أشار إليه د.عبدالهادي مصباح أستاذ المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة .
في مجلة PSPBوهي مجلة معنية بالشخصية وعلم النفس الاجتماعي نشرت دراسة أجريت على أكثر من 200شخص تتراوح أعمارهم بين 50-68سنة وخلصت إلى أن الذين يعانون الوحدة أصبحوا أكثر أنانية من غيرهم إضافة إلى ازدياد القلق والضغط النفسي مما ينعكس على صحة القلب والجهاز العصبي والدماغ . وتم نشرها في وسائل إعلام متعددة .
وفي ملخص لنتائج 148 دراسة امتدت 7 سنوات شملت مواطنون من أمريكا وأوروبا وآسيا نقلت أ. عبير فؤاد في مقال على موقع للعلم تحت عنوان ( ( الوحدة والعزلة الاجتماعية.. القاتلون الجدد )) عن د. جوليان هولت لونستاد -أستاذ علم النفس والأعصاب، بجامعة بريجهام يونج بالولايات المتحدة الأمريكية-" قوله : إن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية يكون لديهم احتمالية أكبر للبقاء بنسبة 50 % مقارنة بنظرائهم
وفي تجربة حول خطر الوحدة والعزلة ذكر موقع DW الألماني قيام علماء بإجراء تجربة على شخصين لقياس نسبة التوتر لديهما عن طريق اللعاب لمعرفة نسبة هرمونات الاجهاد لدى كل منهما ، والنتيجة أن الشخص الذي ينعم بعلاقات اجتماعية حميمة ارتفعت لديه نسبة الكورتيزول باعتدال ، بينما الشخص الذي يعاني الوحدة كانت نسبة الكورتيزول لديه مرتفعة ليحصل الجسم على امدادات لمواجهة أعراض صحية محتملة ، فيقل النوم وترتفع نسبة السكر والضغط كما تتدنى كفاءة جهاز المناعة لذلك السبب .
يفرق الباحثون بين الوحدة والعزلة الاجتماعية في أن العزلة الاجتماعية هي البعد المادي عن الآخرين وانقطاع وسائل التواصل بينما يعرفون الوحدة بأنه شعور بعدم من يتفهمك ويشاركك الاهتمامات ، وفيها لا يحصل على إشباع نفسي مرضي للتواصل الودي مع الآخرين حتى لوكان في جمع من الناس . ويعدونها في حال استمرارها لفترات طويلة حالة مرضية قاسية .
الإنسان كائن اجتماعي وخلق ليعيش في جماعات ولم يخلق ليعيش منفردا ؛ ولذلك تجده يتمثل كل وسائل الاجتماع ويحرص على تكوينها خاصة تلك التي تعبر عن حياة الناس وتعبر عن الحاجة للانتماء .
وبالرغم من التطور المذهل في وسائل التواصل الاجتماعي إلا إن اتساع فجوة الوحدة والانعزال آخذة في الازدياد، عزز هذا السلوك تجاه الوحدة والعزلة الاجتماعية تضخم المدن، وأوقات العمل الممتدة و الطويلة، والتعويض بالعالم الافتراضي -الذي قلل من أهمية التواصل الإنساني المباشر -، أيضا الصدمات النفسية والإحباط الاجتماعي وسيطرة الديون التي تؤدي لقلة ذات اليد في ظل كلفة عالية للقاءات الأسرية والاجتماعية في بعض المجتمعات. كل هذه الأسباب وغيرها ..أدت إلى...تفاقم خطر الوحدة والعزلة الاجتماعية وبات وباء يهدد المجتمعات العربية ، في ظل مسار عالمي يتجه نحو حياة العزلة والوحدة وتفكيك الإنسان . دون إدراك كاف لخطر هذا القاتل الخفي للصحة الجسمية والنفسية للفرد والمجتمع .

الحاجة للتفهم

  للضغوط النفسية العصبية   الشديدةأثر  بالغ في تهديد صحة الإنسان الجسدية والنفسية  بما فيها ضغط العلاقات الأسرية وضغوط علاقات العمل  المتوتر...